الوثيقة المرجعية لحزب اليسار الاشتراكي الموحد




الوثيقة المرجعية لحزب اليسار الاشتراكي الموحد


يندرج تأسيس حزب اليسار الاشتراكي الموحد في المغرب في السياق العام لتاريخ محاولات توحيد قوى اليسار الجذري التي امتدت على مدى ثلاثين سنة منذ تشكل أنويته الأولى في أواسط الستينيات وبداية السبعينيات من القرن الماضي.
إنه الثمرة المباشرة للسيرورة التوحيدية التي كانت قد انطلقت في يوليوز 2000 بين أربع مكونات هي” منظمة العمل الديمقراطي الشعبي ، حركة الديمقراطيين المستقلين و الحركة من أجل الديمقراطية وفعاليات يسارية ” ، وتواصلت منذئذ عبر مرحلة انتقالية توجت في يوليوز 2002 بعقد المؤتمر التأسيسي .
ومن المؤكد أن الإعلان عن الميلاد الرسمي لهذا الحزب لم يكن جوابا عن أسئلة ظرفية طرحها الواقع المغربي في كل أبعاده وتعقيداته ومتاهاته ، وإنما كانت وبالأساس تعبيرا عن اختيار استراتيجي يعتقد اعتقادا جازما أن الحضور الوازن في الحياة السياسية والقادر على ضمان مشاركة فعلية تفتح إمكانية التغيير ، يقتضي الإسهام الفعلي والجاد في بناء الأداة الضرورية واللازمة لمثل هذا الهدف . ولعل هذا ما جعل المكونات السابقة لليسار الاشتراكي الموحد تختار طريق الوحدة الاندماجية ، طريق الحزب الواحد المنفتح و المفتوح أمام باقي القوى اليسارية التي تتقاسم معه نفس المنطلقات ونفس الأهداف وذلك في اتجاه تأسيس الحزب الاشتراكي الكبير من أجل تسريع وثيرة خلق الشروط الضرورية لفرض الخيار الديمقراطي وتجسيده تاريخيا وبمداخله الكبرى السياسية و الدستورية والاجتماعية والثقافية .
ويظهر أن الإرادة القوية التي عملت على تأسيس اليسار الاشتراكي الموحد كلحظة أساسية من لحظات مشروع الوحدة الكبير لليسار المغربي هي الإجابة التاريخية الممكنة لخلخلة آليات اشتغال النظام السياسي المغربي الذي ظل يعمل و منذ عقود على بلقنة الخريطة السياسية للبلاد وتذرير قواها السياسية بغية الاستمرار في التحكم في كل تحول ممكن أو إفراغه من محتواه الفعلي .
غير أن السؤال عن الحزب ليس فقط سؤالا عن مدى رفضه أو قبوله لواقع سياسي معين دائما بل هو بالأساس سؤال عن مرجعيته النظرية ، وعن
مشروعه المجتمعي المتكامل ، وعن أهدافه المرحلية والبعيدة وكذا الوسائل والأدوات التي تخول له إنجاز كل مهمة من المهام التي يطرحها على نفسه … الخ .
إن المرجعية النظرية في حياة كل حزب سياسي هي الأداة الضرورية لمقاربة الواقع في شموليته وتاريخيته ، وبالتالي لتحديد الأهداف والغايات التي يرغب في إنجازها سواء منها المرحلية أو الإستراتيجية ، وكذا الوسائل والإمكانات لإنجاز كل مهمة ، و من جهة ثانية يمكن اعتبارها الإطار العام الموجه لتحليل ملموس للواقع و مايطرحه من قضايا سواء كانت محلية أو وطنية أو دولية ، إنها الجهاز الكاشف والمحلل للحياة السياسية وأسسها الفعلية وممكنات الفعل فيها من زاوية دعمها أو العمل على تغييرها .
ولقد أثبتت كثير من التجارب السياسية أن كل تغييب أو تهميش للجوانب النظرية يقود لامحالة إلى السقوط في النزعة التجريبية ،والاستسلام لضغوطات اللحظة الآنية،بدون أفق حقيقي،وبالنتيجة،إلى لعجز في كثير من الحالات عن تقديم أجوبة مقنعة وفعلية لأسئلة وقضايا يقتضي فهمها إعادة بنائها من زاوية نظرية محددة .
ولعل انهيار الإتحاد السوفياتي وما رافق ذلك من تضخم مبالغ فيه للخطاب الليبرالي هو ما يجعل سؤال المرجعية النظرية ، لاسيما بالنسبة للأحزاب اليسارية سؤالا ملحا ، فلقد أتخذ منظرو الليبرالية من سقوط ” الاشتراكية السوفياتية” فرصة للإعلان عن نهاية الفكر الاشتراكي ، ويظهر واضحا من هذا الربط الذي يفتقد إلى الحدود الدنيا من الموضوعية ، أنه يهدف في نهاية التحليل إلى التخلص النهائي من هذا الفكر الذي كان ومازال يناقض الفكر الليبرالي على مستوى المشروع المجتمعي ويقدم البديل المتكامل القادر على تجاوز تناقضات النظام الرأسمالي .
لذا ووعيا منه بهذه الأهمية الكبرى التي باتت تحتلها المرجعية النظرية في العمل السياسي في اللحظة الحالية من تطور النظام الرأسمالي ، فقد جعلها اليسار الاشتراكي الموحد ، ومنذ لحظته التأسيسية في مقدمة اهتماماته واعتبرها من بين الشروط الأساسية لتشكله واستمراريته . إن انحيازه الواضح للطبقات والفئات الاجتماعية الكادحة ، وإيمانه القوي بالفكر العقلاني والحداثي هو ما حدد اختياره وتبنيه للفكر الاشتراكي .
إن النظام الرأسمالي لايعدو كونه مرحلة من مراحل التطور البشري وليس إعلانا لنهاية التاريخ كما يزعم منظرو الفكر الليبرالي الجديد فعلى الرغم من قوة هذا النظام وقدرته الكبيرة على التكيف مع الأزمات الكبرى و إدارتها لتأمين استمراريته عبر تجديد آلياته وكيفية اشتغاله فإنه مع ذلك يظل سجين توا بثه والتي ليست في النهاية إلا تناقضاته الأساسية مما يجعل عملية معالجتها داخل نسقه العام أمرا مستحيلا . وتتجلى أهم هذه الثوابت أولا في المسألة الاجتماعية التي لم تجد حلها رغم كل التطورات الهائلة ، وثانيا في التعامل الكارثي مع الأرض من خلال مواصلة استنزافها وتدميرها ، وثالثا في الاستقطاب الاقتصادي العالمي الذي يعيق إمكانية تنمية البلدان ” المتخلفة ” ، هذا بالإضافة إلى مارا فق وما يرافق مسيرته من مشاكل كبرى كظاهرة الاستعمار والحروب والعدوان على الشعوب المستضعفة … الخ .
و العولمة التي أصبحت تمثل ظاهرة العصر بامتياز ليست سوى تطورا حصل في هذا النظام ابتداء من العقدين الأخيرين من القرن الماضي . وهي التأكيد الفعلي لتاريخية النظام الرأسمالي ، و تمثل لحظة من اللحظات الكبرى في تطوره حيث يمكن النظر إليها كمرحلة ما بعد الإمبريالية ، وقد تحكمت في قيامها عوامل كثيرة أهمها ثلاثة ، وهي المحددة والحاسمة : يتعلق العامل الأول بالطبيعة التوسعية التنافسية للنظام الرأسمالي ذاته، و الثاني في الثورة العلمية الثالثة وما حققته من إنجازات كبرى في جميع المجالات لاسيما مجالي المعلوماتية والاتصال ، وما رافق هذه الثورة من إعادة نظر في كثير من الأفكار والتصورات وأشكال العمل والعلاقات الاجتماعية وعلاقات القوى … الخ. وأما العامل الثالث فيمكن رصده في فشل ” التجربة الاشتراكية ” باعتبارها كانت تشكل قطبا نقيضا للقطب الرأسمالي.
إن تظافر هذه العوامل قد سرع وثيرة الانتقال إلى مرحلة العولمة ؛ الظاهرة التي تطبع العصر الحالي ، والمتجلية أساسا في السيادة العالمية للاحتكارات الرأسمالية الكبرى متعددة القوميات والمتميزة بقوتها الكاسحة في اتجاه إلغاء كل أشكال الحدود والقيود ، من خلال تجاوز كل الإجراءات الحمائية وإبطال كل القوانين التي تشترط انتشار واتساع مجال المبادلات . إنها شكل جديد من أشكال اشتغال النظام الرأسمالي حيث أصبح العالم معها سوقا واحدة على جميع المستويات والأصعدة من إنتاج وتوزيع وتجارة ومضاربة … الخ ، لقد كانت المشروعات الرأسمالية في الماضي ، وبعد غزوها لأسواق العالم، بحثا عن فائض القيمة أو المواد الأولية مضطرة إلى أن تعود إلى موطنها الأصلي ، غير أن التحول الذي ترسمه وتقوده العولمة جعلها في غنى عن هذه العودة ، فقد انتقلت إلى مستوى المقاولة العالمية التي لم يعد الوعاء الإقليمي للدولة الوطنية قادرا على تلبية مطالبها واستيعاب وثيرة توسعها ، صارت كل نقطة في العالم – ولنقل الكرة الأرضية في كليتهاـ هي المنطلق والنهاية باعتبارها فضاء جيو– اقتصاديا قابلا للاستثمار كلما كان غير مكلف وواعد بمزيد من الأرباح .
مع تحويل العالم إلى سوق واحدة، باتت المقاولة العالمية حاضرة بكل قوتها في السياسة العالمية كذلك، ويعتبر هذا المعطى الجديد من أكبر التحديات التي تواجه الدولة الوطنية كشكل سياسي للمجتمع الرأسمالي . ولم تعد الدولة الوطنية تتحكم في تقرير وصياغة ومراقبة سياستها وتشريعاتها وقيمها الوطنية،بل أصبحت هده المهام والإجراءات من اختصاص أجهزة الرأسمال العالمي كصندوق النقد الدولي والبنك العالمي ومنظمة التجارة والشركات المتعددة الجنسية….وهكذا فالعولمة كقوة اقتصادية جارفة تشتغل وفقا لآليات تسير في اتجاه شل الأركان ” التقليدية ” للدولة عبر تقليص أدوارها ووظائفها السابقة واختزالها في جانب واحد، والذي يتمثل أساسا في الأمن. غير أن الأمر لا يقف عند هذه الحدود؛ فالدولة الوطنية أصبحت تعيش تهديدا دائما من طرف أصحاب رؤوس الأموال، عبر التلويح بسحب أموالهم إذا لم تستجب لمطالبهم الكثيرة وهي في واقع الأمر عودة إلى ما قبل دولة الرفاه، باعتبارها مراجعة شاملة لكل ما حققته الطبقة العاملة والفئات المحرومة من مكاسب
وهكذا فهم يطالبون أساسا بالحصول على البنيات التحتية مجانا، وبإلغاء كثير من الضرائب، وكذا بالتراجع عن التشريعات الضامنة لحقوق العمل … الخ .
إن العولمة كمرحلة من مراحل تطور النظام الرأسمالي لم تخرج هي الأخرى عن تناقضاته الأساسية ؛ فعلى الرغم من التطور التكنولوجي الهائل ، والذي أدى إلى الرفع من وثيرة الإنتاج بصورة غير مسبوقة في التاريخ ، فإنها مع ذلك لم تضع حدا للتفاوت الاجتماعي الصارخ ولم تؤد إلى القضاء على المجاعة والفقر من حياة البشرية ، بل إن العكس هو الذي حصل . فالاقتصاد المعولم ، وعلى قاعدة المردودية والربحية، يسير في اتجاه تقليص اليد العاملة دون إعطاء أية حلول ، تاركا القسم الأعظم من البشرية يواجه مصيرا غامضا قابلا لكل الاحتمالات ، فالأرقام تشير إلى ” أن 358 مليار ديرا في العالم يملكون بمفردهم ثروة تساوي ما يملكه 2.5 مليار من سكان المعمورة “.
وتكشف علاقة العولمة بالتنمية عن تناقض آخر من تناقضات النظام الرأسمالي ظل عاجزا عن تجاوزه منذ انطلاقته الأولى . ونقصد به الاستقطاب العالمي والذي يقلص إلى حد بعيد من إمكانية نجاح المشاريع التنموية ، ذلك أن الهوة بين تقدم الدول المتقدمة و تخلف الدول النامية مافتئت تزداد وتتسع كلما عبر هذا النظام لحظة من لحظات تطوره ، ولعل هذا ما تشير إليه المعطيات والوقائع الحالية ؛ ذلك أن 20% من دول العالم تستحوذ على 85% من الناتج العالمي الإجمالي وعلى 84% من التجارة العالمية ، ويمتلك سكانها 85 % من مجموع المدخرات العالمية، ثم إن هذا التفاوت البين بين الدول يوازيه تفاوت آخر داخل كل دولة حيث تنفرد فئة اجتماعية تشكل الأقلية بالقسم الكبير من الدخل الوطني والثروة القومية ، مما يجعل الأغلبية الساحقة من السكان تعيش كل أشكال الإقصاء والتهميش، إن هذا التفاوت سواء في صورته العالمية أو المحلية يعتبر من أكبر العوائق التي تعترض كل محاولة لتغيير وتقدم أوضاع الدول النامية من أجل خلق مستقبل يحقق كرامة شعوبها ويصون كياناتها .
لا تتجلى العولمة في الأبعاد الاقتصادية والمالية والتجارية والسياسية فحسب ، ولكنها فضلا عن ذلك تملك من القوة والاندفاع ما يجعلها تمتد إلى كافة مناحي الحياة ز و ليس من الغريب أن تتملكها الرغبة القوية في صياغة ثقافة عالمية واحدة تهدف بالأساس إلى خلق النموذج الوحيد في القيم و السلوك والذوق والشعور من أجل صنع كائنات بشرية طيعة منقادة إلى لعبة الاستهلاك . غير أن تحقيق هذا المطلب رهين بتدمير الثقافات المحلية – وهي المهمة التي تضطلع بها الإمبراطوريات الإعلامية العابرة لكل الحدود بما في ذلك الحدود اللغوية لكونها تحمل ثقافة الصورة التي تملك من القدرة أكثر من غيرها على الإغراء والتأثير بسرعة وبسهولة ، الشيء الذي يكشف بشكل أو بآخر عن لديمقراطيتها ، بل وعن عدوانيتها التي تولد أكثر فأكثر أشكالا من المقاومة نكوصية أ وهوياتية تساهم إلى حد بعيد في إعاقة صيرورة النهوض والانتماء الإيجابي للعصر .
إن قيام النظام الرأسمالي على قاعدة المردودية والربحية وعلى خلفية عقلانية أذاتية يجعله لا يقيم اعتبارا ، ليس فقط للإنسان وإنما أيضا للبيئة ، ذلك أنه كلما تطورت وسائل الإنتاج إلا وتصاعدت وثيرة استنزاف الأرض وتدميرها ، وبالتالي السير في اتجاه تحويلها إلى كوكب غير قابل للحياة . كما أن الاستمرار في تطوير الأسلحة وتجريب مفعولها على الشعوب المستضعفة أو تسويق المتجاوز منها عبر خلق بؤر توثر في بعض أنحاء المعمور ، يعتبر من بين المؤشرات الكبرى على أن العولمة تقود العالم نحو الكارثة.
إذا كان منطق الاندفاع نحو تخطي الحدود ورفع الحواجز عن الأموال والسلع والمعلومات …الخ هو المتحكم في ظاهرة العولمة ، فإن هذا المنطق تتعطل آليات اشتغاله بالنسبة لحرية تنقل الناس من بلد إلى بلد لا سيما كلما تعلق الأمر بالهجرة من البلدان النامية إلى البلدان المتقدمة . ولعل هذا ما يكشف عنه تعقيد إجراءات قوانين الجنسية والهجرة بشكل متصاعد ، سواء بالنسبة للإتحاد الأوروبي الذي يعمل في الوقت الحاضر على تضييق الخناق على كل هجرة من القارة الإفريقية أو الشرق الأوسط نحو أوربا ، أو بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية التي باتت بعد أحداث 11 شتنبر تراكم القوانين ، ليس فقط من أجل التقليص من زحف المهاجرين إليها، وإنما أيضا قصد محاصرة كل من تعتبرهم دوما أجانب .
وتنطلق الليبرالية الجديدة ، باعتبارها إيديولوجية النظام الرأسمالي في مرحلة العولمة ، من مجموعة من الأسس قصد إضفاء طابع المشروعية والمصداقية على هذا النظام وتبرير تناقضاته الملازمة له منذ لحظة ظهوره؛ فهده الإيديولوجيا تدعي:
÷ أن الإنسان كإرادة واعية وصانعة للتاريخ قد مات وانتهى،وأن التاريخ قد عرف سقفه ونهايته مع النظام الرأسمالي .
÷ أن الإنسان شرير وعدواني،ميال إلى التملك والسيطرة،وأن الرأسمالية هي القادرة على إشباع هده الحاجات عن طريق قوانين السوق التي هي ” ذات” التاريخ الحقيقية، وأن كل معاندة أو مقاومة لتلك القوانين سيكون مآلها الفشل الدر يع !
÷ أنه يجب إعطاء الأولوية للشأن الاقتصادي على الشأن السياسي في تدبير شؤون المجتمعات ، والدولة تبعا لذلك مطالبة بالانسحاب من ميدان النشاط الاقتصادي ومن مراقبته وضبطه ،وبالتالي تركه يسير وفق قانونه الخاص ، و قطع كل علاقة قد تربطه بما هو إنساني أو اجتماعي أو كل مؤشر قد يشوش على كيفية اشتغاله ويربك إيقاعه الموضوعي .
÷ أن الطبيعة ليست سوى مادة قابلة للاستهلاك ، مادة يمكن أن تضفي عليها براءات الاختراع وتحكمها مقتضيات الملكية الفكرية، ولايهم مادام أن الهدف هو تحقيق أكبر قدر من الأرباح إن أدى ذلك إلى سلب الشعوب إرثها الثقافي أو تلويث البيئة واجتثاث الغابات والقضاء على التنوع البيولوجي وتدهور البيئة والتصحر وتوسيع ثقب الأوزون وظاهرة الاحتباس الحراري مع كوارثها المناخية وانتشار الأمراض الفتاكة بحياة الإنسان والحيوان على السواء …
إذا كان النظام الرأسمالي كما قد تبين من خلال مراحل و لحظات تطوره يحمل معه كل الأسباب التي تجعله عاجزا عن تقديم الإجابات الفعلية عن الأسئلة التي تطرحها المشاكل والتحديات التي تواجه الإنسانية ، فإن هذا الخلل البنيوي المرافق له منذ انطلاقته لا زال بعيدا عن تسريع نهايته . ولذا فإن التحليل الموضوعي لطبيعة المرحلة يقتضي من اليسار أن يعمل على بناء تصور واضح يفتحه على واقع العصر الذي هو بالأساس واقع العولمة في كل أبعادها وامتداداتها وذلك عبر الاندراج فيه اندراجا إيجابيا عن طريق الإسهام في خلق الشروط الضرورية لكبح الاندفاعات المتوحشة التي باتت هي الميزة الأساسية لهذه اللحظة من لحظات تطور الرأسمالية ، ولكن من دون أن يتنكر اليسار لخياره الإستراتيجي والمتمثل في الاشتراكية كمرحلة لبناء مجتمع خال من كل أشكال الاستغلال والاستبداد والعبودية، ويمكن تفصيل المهام المطروحة على اليسار اليوم في النقط التالية :
1 – الإسهام في تجديد الفكر الاشتراكي وجعله قادرا على الإجابة الفعلية على أسئلة المرحلة وذلك بالابتعاد عن كل النزعات الدوغماتية والإطلاقية، مع مراعاة تنوع وغنى اجتهاداته.
2 – التعامل النقدي مع الفكر الاشتراكي سواء تعلق الأمر بالإسهامات النظرية أو بالتجارب العملية والإسهام في تجديده.
3 – اعتبار الفكر الاشتراكي استمرارا وامتدادا تاريخيا لكل التراث التحرري الديمقراطي الإنساني، يحتوي المكتسبات الليبرالية في مرحلتها الثورية ويتجاوزها نحو ديمقراطية شاملة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية.
4 – تمثل قيم الديمقراطية والحداثة المتمثلة في العقلانية والحرية والمواطنة وإشاعة ثقافة حقوق الإنسان والتسامح والاختلاف.
5 – تشجيع الاجتهاد والبحث في التراث والفكر الإسلامي، حتى يتمكن هذا الفكر من المساهمة الإيجابية والفعالة في عملية الانتقال الديمقراطي.
6 – الانخراط في الجبهة العالمية المناهضة للعولمة المتوحشة واعتبار الانتصار الذي حققته الرأسمالية وهيمنتها على العالم ليس نهاية للتاريخ ولا يعني حلا للتناقض في أحشائها .
7 – ضرورة التصدي للحروب التي تعلنها الرأسمالية المعولمة باسم محاربة الإرهاب أو القضاء على أسلحة الدمار الشامل والعمل في نفس الوقت على إشاعة ثقافة السلام والعدالة واحترام الشعوب .
8 – الانخراط في الحركات الاجتماعية والإقرار بالدور الحيوي، والمهم للمجتمع المدني في عملية بناء وحماية الديمقراطية، ومن ثمة ضرورة العمل على تقويته وضمان استقلاليته .
9 – احترام التعدد الثقافي وتأسيس ثقافتنا على قاعدة تمكنها من التطور والتفاعل بمناعة تجعلها قادرة على المقاومة ، وليس انطلاقا من نكوص يوحي بحماية وهمية تؤجل الإجابة عن أسئلة الواقع الفعلية .
10 – التعامل الديمقراطي المتفتح مع مسالة الهوية والاعتراف بكل مكوناتها في أبعادها المتنوعة وعلى قاعدة التفاعل والتمازج لعناصرها الأساسية العربية والإسلام والأمازيغية .
إن الادعاء بتأسيس الحداثة على قاعدة النظام الرأسمالي قد يجعلها كما جعلها في بعض اللحظات ، تتراجع حتى عن شعاراتها التي عرفت طريقها إلى الواقع ، فقد يتم التخلي على المستوى السياسي عن النظام الديمقراطي كما حدث مع الفاشية والنازية ، وقد يتوقف العمل وفقا للتسامح والاختلاف وتفتح الطريق نحو احتلال الشعوب مثل ما حدث مع ظاهرة الاستعمار المباشر أو ما يعرفه العالم اليوم مع أكبر قوة رأسمالية في غزوها لبعض الشعوب بدعوى محاربة ” الإرهاب “. إذا كانت بعض مذاهب ” مابعد الحداثة ” تلتقي أو تنماهى مع الليبرالية الجديدة على أكثر من مستوى، فإن الماركسية كفكر حداثي، وبفعل جوهرها النقدي، تعتقد أن العوامل الكابحة لتطور الحداثة على المستوى الإنساني والاجتماعي ليست نابعة من صلب ذاتها وإنما من طبيعة العلاقة التي تجمعها مع النظام الرأسمالي. من هذا المنطلق وبفضل مناعتها الداخلية التي تجعلها قابلة للانفتاح والتطور والمراجعة الدائمة، يمكن اعتبارها مكسبا تاريخيا لكل الفئات والطبقات الاجتماعية التي لها مصلحة في التغيير والتحرر من كافة الأشكال المعيقة لصيرورة الدمقرطة والتحديث لاسيما في البلدان المتأخرة تاريخيا، لأن مهمتها تكمن في تطوير القوى المنتجة والعمل على تحديث المجتمع كمقدمة ضرورية لبناء الاشتراكية . واليوم، فإن الانتماء إلى العصر من زاوية الفعل فيه بدل الاكتفاء بتلقي نتائجه يمر عبر الانخراط الفعلي والواعي في النضال من أجل المشروع الحداثي، لذا ومن هذا المنطلق يرى اليسار الاشتراكي الموحد أن النضال الديمقراطي الجذري هو البوابة الرئيسية لتحقيق الديمقراطية وتأسيس الدولة الحديثة ، دولة الحق والقانون القائمة على دستور يضمن فصلا للسلط ويجعل من الشعب مصدرا للسيادة والسلطة في اتجاه ضمان الكرامة والحرية والعيش الكريم لجميع المواطنين . تأسيسا على المرجعية الاشتراكية، يعمل اليسار الاشتراكي الموحد على المساهمة في إرساء مجتمع الديمقراطية والمواطنة الذي يعطي أهمية متميزة للعلم ، وانطلاقا من هذا الهدف الإستراتيجي يتمثل حزب اليسار الاشتراكي الموحد الهوية المغربية كهوية تشكلت عبر مراحل تاريخية متلاحقة تفاعلت خلالها الإبعاد الثقافية الأمازيغية والعربية والإسلامية والإفريقية..الخ،ولقد تركت كل هذه الأبعاد بصماتها في المنطوق اللساني و الطقوس الدينية وأنماط العيش الاجتماعية والمخيل الجماعي .
واليوم، فإن الانتماء إلى العصر من زاوية الفعل فيه بدل الاكتفاء بتلقي نتائجه يمر عبر الانخراط الفعلي والواعي في النضال من أجل المشروع الحداثي ، لذا ومن هذا المنطلق يرى اليسار الاشتراكي الموحد أن النضال الديمقراطي الجذري هو البوابة الرئيسية لتحقيق الديمقراطية وتأسيس الدولة الحديثة ، دولة الحق والقانون القائمة على دستور يضمن فصلا للسلط ويجعل من الشعب مصدرا للسيادة والسلطة في اتجاه ضمان الكرامة والحرية والعيش الكريم لجميع المواطنين .
تأسيسا على المرجعية الاشتراكية، يعمل اليسار الاشتراكي الموحد على المساهمة في إرساء مجتمع الديمقراطية والمواطنة الذي يعطي أهمية متميزة للعلم، وانطلاقا من هذا الهدف الإستراتيجي يتمثل حزب اليسار الاشتراكي الموحد الهوية المغربية كهوية تشكلت عبر مراحل تاريخية متلاحقة تفاعلت خلالها الإبعاد الثقافية الأمازيغية والعربية والإسلامية والإفريقية..الخ،ولقد تركت كل هذه الأبعاد بصماتها في المنطوق اللساني و الطقوس الدينية وأنماط العيش الاجتماعية والمخيل الجماعي.
وإن كان حزب اليسار الاشتراكي الموحد، انسجاما مع اختياراته الإستراتيجية، يعمل في اتجاه تثبيت ركائز مجتمع منفتح، منتج، عادل و متضامن يحترم التعدد والاختلاف، يضمن حرية الرأي والتعبير، ينظم التباري الديمقراطي في إطار تساوي الفرص، ينمي الموارد البشرية والمادية في إطار الشفافية والمسؤولية، فإنه يقر أن المكونات الثلاثة الأمازيغية والإسلامية والعربية تطبع بشكل كبير التشكل التاريخي المجتمعي والمخيل العام للمغاربة. وقد تأخذ هذه الأبعاد – إن لم تؤسس على قاعدة المواطنة – إشكالا هوياتي، وتدفع للانزلاق نحو التقوقع والانغلاق والإقصاء. لذلك يركز حزب اليسار الاشتراكي الموحد على ثقافة الحداثة باعتبارها حاضنة للعلم كنهج فكري، وللعقلانية كسلوك اجتماعي، وللديمقراطية كترشيد للنشاط الإنساني على أساس نسبية الحقيقة وذلك في اتجاه تقليص مساحة ثقافة الخرافة والشعوذة والجهل، مما يسهم بل يعجل عملية بناء مجتمع المواطنات و المواطنين القائم على رابطة القانون والمناهض للزبونية المشكلة اليوم في المغرب كنظام متكامل لإنتاج ورعاية الفساد وتدمير الكفاءات والموارد وحماية المتسلطين والمنتفعين.
إن حزب اليسار الاشتراكي الموحد وانطلاقا من موقفه المبدئي من كل توجه هوياتي، الهادف إلى إرساء مجتمع متفتح ومتعدد عوض مجتمع الطوائف، يولي كل الاهتمام للمحاولات الهادفة إلى قراءة النصوص المرجعية من زاوية ما يطرحه العصر من أسئلة قصد جعل الإسلام عنصرا مساهما في تحديث المجتمع وتحريره من وصاية حراس التقليد والتخلف والجمود الفكري .
ويدعم حزب اليسار الاشتراكي الموحد كل الجهود الهادفة إلى رفع الحيف الذي تعرض له المكون الامازيغي من ثقافتنا ، ويعمل على تجسيد ذلك في التشريعات والممارسات الثقافية والاجتماعية.
إن التوجه نحو مجتمع الحداثة هو سعي للانخراط في العصر من بابه الكبير و الفعل فيه من موقع الشريك ، خارج أية تبعية أودونية أو انعزالية.
منذ مؤتمره التأسيسي دشن اليسار الاشـتراكي المـوحد مشـروعه الـسياسي بالعملية التوحـيدية التي جمعت أربـع مكونات يسارية مغربية بهدف إدماجها في حزب موحد .
وكانت هذه البادرة في حد ذاتها معقد كثير من الآمال بقدر ما كانت محط تخوفات و تساؤلات , وذلك بحكم ما شكلته من تحد وتجاوز لما ظل سائدا في المشهد السياسي عموما , وفي صفوف اليـسار والديمقراطيين على الخصوص , مــن مـظاهر التشرذم و الانقسامات .
لقد أكد اليسار الاشتراكي الموحد منذ انطلاقته الأولى على خيار التحول الديمقراطي , باعتباره خيارا استراتيجيا ومستقبليا تفرضه الضرورات الموضوعية لصراع القوى وتوازنها في إطار التطور الذي يجتازه المجتمع المغربي , وباعتباره كذلك خيارا يستجيب لمتطلبات تعبئة وإشراك أوسع الطبقات والفئات الاجتماعية ذات المصلحة في التغيير والتحديث .
على هذا الأساس سعى الحزب إلى بناء منظور فكري وسياسي للتغيير الاجتماعي, حدد معالمه على أنه منظور ديمقراطي وتحديثي ذو آفاق اشتراكية, وهو يرتكز على المقومات والمبادئ السالفة الذكر.
وقد أكد المؤتمر التأسيسي للحزب على ضرورة تبني خط النضال الديمقراطي الجماهيري , وذلك انطلاقا من تشبث الحزب بالرصيد النضالي لليسار , والرصيد الإيجابي للحركة الجماهيرية والديمقراطية . وتم التأكيد على أن التجارب السابقة التي مرت منها البلاد أثبت فشل جميع الخطط التي حاولت التخفيف من حدة الاختناق الاجتماعي والسياسي الذي يعاني منها مجتمعنا , دون المساس بنظام الامتيازات والاستبداد والحكم الفردي الذي أطر الوضع العام في بلادنا طيلة عقود من الزمن . وفي هذا الإطار أكد الحزب رفضه لكل أشكال التوافقات المغشوشة والمفروضة التي ظلت تستهدف تبرير استمرار الثوابت المخزنية , وضيعت على بلادنا فرص الدخول في مرحلة الانتقال نحو الديمقراطية . وبالتالي تم التأكيد على الخصوص , فيما يخص رهانات الإصلاح , على ضرورة إعطاء الأهمية للإصلاحات الدستورية والسياسية البنيوية , وذلك باعتبارها مدخلا أساسيا لإخراج البلاد من دوامة الاستبداد والتعسف والفساد المالي والإداري والمؤسسات الصورية وانعدام الفعالية والمراقبة، ووضع البلاد في اتجاه إقامة نظام برلماني حيث الملك يسود ولا يحكم . نظام مبني على مبدأ المراقبة والمساءلة والفصل الحقيقي للسلط , وعلى المؤسسات والجهات المتوازنة التي تمارس فعليا صلاحياتها وسلطاتها المحددة بالقانون .
ومن هذا المنظور الفكري والسياسي الذي وضع المؤتمر التأسيسي لبناته الأولى , انطلقت تجربة الحزب بأبعادها وأهدافها المتعددة , وعلى رأسها تثبيت الوحدة وتدعيم صيرورة الاندماج , وبلورة المشروع السياسي والمجتمعي , في إستراتيجية عملية تستهدف الارتباط الوثيق بالنضال اليومي لأوسع الفئات والطبقات الشعبية المغربية ومطالبها العامة والجماهيرية .
وإذا كان وجود الحزب في بعض المجالات وحضوره النسبي في بعض المحطات , يسجل الوجه الإيجابي لتجربتنا منذ المؤتمر التأسيسي , فإن ذلك لا يمكن أن يخفي جوانب الضعف والارتباك والارتجال التي لازمت الأداء الحزبي على عدة مستويات , وطبعت هذه التجربة بعدة سلبيات , على أن استنهاض عمل الحزب وتقوية الروح النضـالية بيـن صفوفـه يتطلبان العمل بقوة من أجل إحداث القطيعة مع السلبيات التي طبعت المرحلة السابقة , وبالتالي وضع الخطط والبرامج الكفيلة بتجاوزها في المستقبل
لقد حقق حزبنا ماحقق في ظل تجربة سياسية محدودة لم تتجاوز السنتين , قرر بعدها عقد مؤتمره الأول . ومن الواضح أن الحرص على عقد المؤتمرات الحزبية في إبانها , يحمل في حد ذاته مؤشرات إيجابية تعبر عن الرغبة في التقاط أسئلة الممارسة ومحاولة الإجابة عليها , وخلق دينامية للتطور , وانطلاق تجربة جديدة . وبالتالي فإن العمل التحضيري للمؤتمر لا بد أن يوفر لأعضاء الحزب ومناضليه فرصة لمراجعة ونقد ما قاموا به من أعمال وممارسات سواء على المستوى المحلي أو على المستوى الوطني.
إن انعقاد المؤتمر الأول للحزب لا يمكن أن يشكل هدفا في حد ذاته, بل المطلوب من ورائه هو العمل لتجاوز سلبيات التجربة السابقة، وبالتالي إحداث الطفرة المنشودة في عملنا الحزبي.
غيرأن تحقيق هدا الهدف يتطلب بالإضافة إلى النظرة النقدية لتجربة الحزب خلال السنتين الماضيتين الفاصلتين عن مؤتمره التأسيسي،تأسيس عمل الحزب على معرفة متقدمة وشاملة ما أمكن بتحولات الوضع السياسي على الصعيد العالمي والجهوي والإقليمي العربي،وبتناقضاتها واحتمالات تطورها،ودلك من أجل الإمساك بحلقات التفاعل الجدلي بين مستويات نضال الحزب على تلك الأصعدة والفعل فيها كلها بانسجام وفعالية
.I– في الوضع العالمي
تميزت بداية العقد الأخير من القرن العشرين بانهيار الاتحاد السوفايتي وسقوط جدار برلين ومنظومة أوربا الشرقية. وشكل هذا الانهيار والسقوط نهاية للثنائية التي ميزت الوضع الدولي مند نهاية الحرب العالمية الثانية: قطب الرأسمالية الإمبريالية بزعامة الولايات الأمريكية المتحدة وقطب الاشتراكية البيروقراطية بزعامة الاتحاد السوفياتي .
بدلك،دخل العالم مرحلة جديدة سمتها عدم الاستقرار واستحكام الأزمات السياسية الاقتصادية الهيكلية والصراعات العسكرية والانفجارات الإثنية والقومية , اتضح معها أن مزاعم الإيديولوجية الرأسمالية بتحقيق دولة ومجتمع الرفاه فاقدة لكل مصداقية.و تعمقت السيطرة الاقتصادية والسياسية والإيديولوجية للولايات الأمريكية المتحدة وحلفائها في أوربا على مصير العالم . وتعمم قانون وسياسية السوق بدون منازع . وقد أدى تفاقم هذه السيطرة إلى احتداد مظاهر اللامساواة والفقر والتطور اللامتكافئ بفعل تكثيف وتوسيع الاستغلال الطبقي عالميا, وبفعل احتكار الدول الرأسمالية العظمى لثروات الاقتصاد العالمي وعوامل التقدم التكنولوجي .
سيترتب عن هذا الوضع مزيد من إقصاء وتهميش أكثر من نصف البشرية وتعميق الفقر والبطالة لديها مع الزحف المتواتر للعولمة الرأسمالية المتوحشة والتي تأخذ أشكالا وخططا مختلفة من السيطرة : بدءاً من السيطرة الاقتصادية والسياسية وصولاً إلى التدخل العسكري والاحتلال المباشر ( أفغانستان , العراق , فلسطين ) , مروراً بتهديد دول وشعوب ( فلسطين , سوريا , إيران , كوريا الشمالية ) وتبرير العداء السافر لها بكونها تنتمي إلى ” محور الشر ” .
ولعل أبرز هدف من أهداف فرض هذه السياسة عالميا يتمثل في الاستيلاء على منابع النفط والثروات كعامل اقتصادي عالمي استراتيجي , وكذا إضعاف قدرات الشعوب على التحرر من مختلف مظاهر الغزو والسيطرة الاقتصادية والسياسية التي تنتجها قوانين السوق الرأسمالية .
لقد أتت الأحداث التي هزت الولايات المتحدة الأمريكية في شتنبر2002 , لتشكل مبرر إضافيا للإمبريالية الأمريكية لتطبيق إستراتيجيتها للسيطرة السياسية وتسويغ عسكرتها لمناطق من العالم و لإخضاع هيئة الأمم المتحدة والشرعية والقانون الدوليين لهذه الإستراتيجية حتى يمكنها فرض نفسها كقوة وحيدة متحكمة في مصير
العالم …وكل دلك وسط صخب ضجيجها الدعائي المفضوح عن ” حماية حقوق الإنسان” و”إقامة الديمقراطية” تارة، و”محاربة الإرهاب “تارة أخرى!! ولا يخفى كون هذه الإستراتيجية تصوغها وتخطط لها المصالح الحيوية للمؤسسات المالية والشركات المتعددة الجنسية وخصوصا المحتكرة لاقتصاد وتجارة النفط وللتكنولوجيا المتطورة وللمجمع الصناعي الحربي .
لقد أثبت الصراع الذي خاضته فرنسا وألمانيا كدولتين قويتين في أوربا مع الولايات الأمريكية المتحدة إثر استفراد هذه الأخيرة بقرار غزو العراق وتنفيذه ضعف المعارضة الدولية لاستراتيجيات الولايات المتحدة الأمريكية . ولم تستطع هاتان القوتان الأوروبيتان قيادة معارضة دولية ضد قرار غزو العراق وضد بسط أمـريكا لـنفوذها المطـلق في منطـقة الشرق الأوسط وفرض إستراتيجيتها في الصراع الفلسطيــني الصـهـيونـي, و استطــاعت أمريـكا اخـــتـراق الاتحـاد الأوروبــي وكـــسب بعـــض الــدول( بريطانيا وإيطاليا واسبانيا خصوصا ) لفرض منطقها وحربها بالقوة في العراق على العالم وضد الشرعية الدولية .
وقد أنتجت سيطرة العولمة الرأسمالية على مصير العالم حركة اجتماعية عالمية واسعة مناهضة لسياسة الولايات الأمريكية المتحدة ومجموعةG8 ( الدول الرأسمالية الأكثر تقدما ) ومناهضة لتدمير البيئة وأخطار انتشار الأسلحة النووية والاستغلال المكثف للمهاجرين وإغراق دول العالم غير النامي بالديون الخ…
غير أن هذه الحركة الاجتماعية المناهضة للنتائج السلبية للعولمة الرأسمالية ظلت آفاق نضالاتها محدودة التأثير على سياسات الدول الرأسمالية الأكثر تقدما نظراً لعدم فتح المجال لنضال عالمي مشترك مع القوى والأحزاب اليسارية المتجددة لإكساب هذا النضال أبعاده الوطنية والشعبية الديمقراطية والحداثية من جهة، وأبعاده العالمية لدمقرطة العلاقات السياسية والاقتصادية عالميا وما يفرضه ذلك من دمقرطة المؤسسات الدولية وإعادة تأسيسها على قواعد التضامن والسلام والتنمية بين الشعوب، وعلى توزيع أكثر عدلا لثروات العالم بين الدول وداخل كل مجتمع. هدا ولأن الوضع هو وضع تاريخي وليس نهاية للتاريخ،فلا خيار آخر للشعوب والبلدان المتضررة من التوسع الرأسمالي المعولم والمتوحش سوى المقاومة.
ومن المظاهر المطروحة في وجه تحديات العولمة المتوحشة ” مشروع ” الحركات الإسلامية الشعبوية , غير أن هذه الإجابة لن تستطيع بلورة بديل واقعي وتاريخي لتحديات هذه العولمة ما دام هذا المشروع يقوم على إستراتيجية إلغاء الديمقراطية وحقوق الإنسان , ولأنه كذلك مشروع يتأسس على التعايش مع القوى الكمبرادورية والتكامل معها وقبول الاندماج في اقتصاد العولمة الرأسمالية على أسس اقتصاد كمبرادوري إضافة إلى عدم انسجام جوانب ورؤى هذا المشروع الذي يتسم بالتعدد والتشرذم رغم وحدته الـشكلية الظاهرية .
لقد تميز الوضع الدولي كذلك خلال العقد الأخير من القرن العشرين بشراسة الهجوم الممنهج على الاشتراكية كبديل لهمجية الوضع القائم ؛ هكذا صورت المبادئ والقيم الاشتراكية كمجرد أحلام إيديولوجية لاحظ لها في التحقق على أرض الواقع. وشوهت تجارب بناء الاشتراكية وتحولت على يد أجهزة الدعاية الرأسمالية إلى مجرد أنظمة كليانية معادية للحرية في كل تجلياتها السياسية والاقتصادية…
ولكن رغم دلك، أثبت واقع الصراع وتطور الأحداث عالميا ،أنه لامجال لأي إصلاح حقيقي في ظل الخضوع لمنطق ونسق الرأسمالي المعولم، وأن التحول الديمقراطي الجدري ،ذا الآفاق الاشتراكية هو الكفيل بتجاوز مآسي وهمجية النظام الرأسمالي المعولم وبناء نظام اجتماعي بديل ،إنساني حقا وحقيقة.
II – في الوضع العربي
في ظل هده الشروط ،لاتزداد أوضاع البلاد العربية سوى ترديا وتراجعا ،بعد انهزام القومية العربية في مواجهة القوى والمصالح والأطماع الإمبريالية والكمبرادورية العربية الحاكمة , وانهزام حركة التحرر الوطني في مواجهة التحديات السياسية في الوطن العربي. و ما يجري في العراق وفلسطين ليس سوى فصل من فصول هذه الهزائم المتوالية لمحاولات النهضة العربية رغم كل الآمال التي ساورت الشعوب العربـية منذ القرن التاسع عـشر مروراً بالثورة الــــناصرية ( 23 يوليوز 1952 ) وانبثاق حركة القوميين العرب وحركة اليسار الجديد الفلسطيني والعربي
لقد تجلى تردي الأوضاع العربية في الصمت العربي المريب والعجز المهول الذي سيجت به الأنظمة العربية نفسها وشعوبها أمام هجوم الولايات الأمريكية المتحدة على العراق واستفرادها بالقضية الفلسطينية وفرض مخططاتها في المنطقة . ورغم ذلك لا زال حكام النفط يضعون ثروات المنطقة العربية في خدمة المصالح الأمريكية ومصالح الشركات المتعددة الجنسية . مما عمق عوامل تردي وتخلف المجتمعات وضعف مقاومتها لجميع أشكال السيطرة الأمريكية في المنطقة.
وظلت الوحدة العربية مطلبا شعبيا راسخا في وعي ووجدان شعوب الأقطار العربية،إلا أن ممارسات الأنظمة العربية،والتي كان بعضها أيضا يرفع شعار الوحدة العربية، كانت تذهب في اتجاه معاكس لهدا الطموح غالبا وتجرده من كل مضمون سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي…وإذا كانت ممارسات الأنظمة وحتى برامج بعض القوى السياسية قد انتهت إلى ما انتهت إليه من إخفاقات وهزائم ،فإن مشروع الوحدة العربية مايزال مفتوحا، و ملحاحيته التاريخية اليوم أوضح من كل وقت مضى لاستنهاض قوى الأمة العربية وتجديد تعبئتها لمواجهة السياسات والمخططات والأطماع الامبريالية الصهيونية وعجز وانبطاح الأنظمة العربية وانكفاء كل واحد منها على انشغالاته القطرية الضيقة….
و رفض الحكام العرب و النخب السياسية المرتبطة بهم الإصلاح السياسي والاجتماعي والديني وفرضوا على الشعوب والمجتمعات العربية وضعا مأساويا ومعاناة تجلت في الفقر ومظاهره وضعف التنمية الاقتصادية وضعف الحداثة السياسية والاجتماعية و الثقافية رغم ما أفرزه الواقع العربي من نخب مثقفة ديمقراطية وتقدمية في جميع المجالات والتخصصات . غير أن سمة الاستبداد السائدة في الأنظمة العربية فرضت احتواء بعض النخب وتهميش نخب أخرى وطاقات ديـمقراطية هائلة . وفي نفس الوقت دخلت الدول العربية منطق التسوية مع الكيان الصهيوني برعاية الولايات الأمريكية المتحدة، مما أدى إلى عجز منظمة
التحرير الفلسطينية قبل أن تدخل هي الأخرى إلى مسلسل التسوية بتوقيعها مع إسرائيل اتفاقية غشت 1993 تحت رعاية الولايات الأمريكية المتحدة. وبذلك تم إخراج تسوية القضية الفلسطينية من دواليب وقرارات الأمم المتحدة واستفراد الولايات الأمريكية المتحدة بالوضع في فلسطين والشرق الأوسط . لقد قدمت السياسات العربية تجاه القضية الفلسطينية خدمات كبرى لإستراتيجية أمريكا في السيطرة عسكريا على المنطقة بما يحفظ أمن الدولة الصهيونية كمحور لها تلعب دور تسهيل وتأمين هذه السيطرة اقتصادياً وسياسياً من جهة , ومن جهة أخرى مواجهة أي تأثير جيوسياسي لروسيا أو لأوربا أو للصين في المنطقة , ومن جهة ثالثة إضعاف المقاومات المناهضة للسيطرة الأمريكية ومحاولة احتوائها على رأس هذه المقاومات الثورة الفلسطينية .
لذلك فإن المهام المطروحة على اليسار العربي الديمقراطي والاشتراكي جسيمة تكمن في البحث عن بدائل مرحلية تتعاطى مع القضايا والمصالح الراهنة للمجتمعات والشعوب العربية وفقا لرؤية وبرامج عقلانية حداثية تتجاوز الصراعات وتتحدى المصالح الطائفية والمذهبية والقطرية والدينية التي ما زالت تجزئ البلدان العربية وتساعد على انبثاق فعل تاريخي نهضوي جديد حداثي وديمقراطي .
ومن تم يطرح على اليسار الديمقراطي الاشتراكي العربي الاضطلاع بصياغة مشتركة لهذه المهام ولإنجازها على أسس وتصورات نقدية للبدائل المهزومة والاستراتيجيات الفاشلة.
أما على صعيد الغرب العربي ،و رغم ما يجمع بلدانه من تاريخ ومصير مشتركين، فإن مشروع بناء المغرب الكبير ما زال معاقا بفعل النزاعات المفتعلة وتناقض مصالح الحاكمين ونخبهم السياسية والاقتصادية وتنافسهم لاكتساب علاقات اقتصادية وسياسية متميزة مع الاتحاد الأوروبي دون مراعاة للمصالح الاقتصادية والاجتماعية المشتركة وطموحات شعوب بلدان المنطقة في التضامن والتعايش والوحدة وبناء مصير مشترك متكامل اقتصاديا ومتطور ديمقراطيا , لمواجهة تحديات العولمة الرأسمالية والمخطط الأمريكي لجعل مشروع المغرب الكبير داعما ومكملا لإستراتيجيتها في استكمال سيطرتها الاقتصادية والسياسية على منطقة الشرق الأوسط الخزان الاستراتيجي لمصادر الطاقة .
إن الوضع المأزوم لمشروع وحدة المغرب الكبير يطرح على القوى اليسارية الديمقراطية والاشتراكية في المنطقة العمل المشترك وفق برامج ورؤى واضحة تندرج في إستراتيجية مواجهة عوامل إعاقة هذا المشروع وتفتح سيرورة وحدة شعوب ومجتمعات المغرب الكبير لبناء فضاء مغاربي ديمقراطي حداثي قادر على مواجهة تحديات التنمية الشاملة وتحديات العولمة والارتقاء إلى الإجابة العملية والتاريخية عن أسئلة العصر الذي لم يعد يقبل بديلا عن التكتل والتجميع والتضامن والتكامل.
وفي هذا السياق سيكون من الضروري اتخاذ كافة المبادرات لتجميع القوى الاشتراكية والديمقراطية في المنطقة والتنسيق بينها لتسهم بأدوارها الفعلية في مسار الوحدة والتقدم والتنمية.
-IIIفي الوضع الوطني
- 1 سيرورة تطور النظام المخزني وآلياته في القمع والاحتواء
خضع المغرب كغيره من العديد من البلدان في إفريقيا وغيرها, لفترة استعمارية مباشرة امتدت أكثر من نصف قرن. وقد أثرت هذه الفترة على مساره وأوضاعه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وتطوراتها اللاحقة. ففي حين كان المجتمع المغربي يعيش تمردا وثورات مستمرة ضد تعسفات المخزن في ما كان يعرف ببلاد السيبة , كانت القوى الاستعمارية المتصارعة على ثروات العالم تخطط لاستكمال سيطرتها على مجموع المنطقة المغاربية وشمال إفريقيا .
فتم تقسيم المغرب بين إسبانيا في الشمال وفرنسا في الجنوب في إطار التوزيع الاستعماري لمناطق النفوذ عبر العالم.
وهكذا تعرض المجتمع المغربي لرجة عنيفة خلخلت بنياته الموروثة والتقليدية , وذلك تحت وطأة الحملات العسكرية والحروب التي قام بها الغزاة الاستعماريون . هذه الحروب التي كانت تزداد شراسة كلما وجدت أمامها مقاومة شديدة خاصة من طرف القبائل وفي المناطق الجبلية.
وبينما كانت حركة المطالبة باستقلال البلاد تتطور وتعم أرجاء البلاد مع بداية الثلاثينات, كانت القوى الاستعمارية المتحالفة, المدججة بأسلحتها وجيوشها وجواسيسها, تستعمل كل الوسائل لتكسير حركة المقاومة المسلحة والسيطرة على الثروات الاقتصادية واختراق جميع مجالات الحياة الاجتماعية للمغاربة.
لقد ورث المغرب عن العهد الاستعماري نظاما رأسماليا تبعيا هجينا, تحتل فيه الفئات والشرائح التي تلعب دور الوسيط والفئات التي لها صلة وثيقة بالرأسمال الغربي , مواقع أساسية ومؤثرة .
وفي إطار توسع نفوذ هذه الفئات الوسيطة والكمبرادورية, وتحالفها مع الملاكين العقاريين الكبار , وتقوية ارتباطها بالمراكز الامبريالية , واستحواذها على مقاليد السلطة والحكم , واستيلائها على مصادر الثروة والمال , تشكلت وتطورت بنية النظام المخزني القائم المـسيطر على مـغرب ما بـعـد ” الاستقلال ” .
وشيئا فشيئا تحول نظام المخزن من نظام السلطان التقليدي المحاط بالأعيان, إلى نظام ملكية مطلقة يحتل فيها الملك منصب رئيس الدولة, والقائد الأعلى للجيش, وباسمه تصدر الأحكام القضائية, بالإضافة إلى كونه أمير المؤمنين وحامي الملة والدين, وضامن وحدة البلاد.
وتعمق الاتجاه نحو الاستبداد والحكم المطلق على خلفية الصراع ضد الحركة الوطنية , وإقصاء أجنحتها الراديكالية وإبعادها عن أية مشاركة في السلطة بل وقمعها قمعا شديدا ومتنوعا .
وفي خضم هذه التطورات تم إرساء هياكل الدولة الجديدة \ القديمة وتقوية أجهزتها السلطوية والقمعية, خاصة السرية منها, وتخلت أجهزة الدولة والإدارة عن دورها الحيادي تجاه القوى المتصارعة في المجتمع. بل أصبحت عبارة عن مراكز نفوذ تتدخل وتعمل خارج القانون, وتسعى لإفراغ الحياة السياسية من محتواها, وإقامة مؤسسات صورية خاضعة لنزوات المسيطرين على هرم السلطة. لقد أصبحت الدولة أداة قمع , ووسيلة تحكم في الاقتصاد والمجتمع , تخدم مصالح فئة محدودة على حساب أغلبية الشعب. وعلى المستوى السياسي أصبحت تلعب الدور الذي كان من المفروض أن تلعبه القوى والأحزاب السياسية, لكن بشكل تدميري لحرية التعبير, ومخرب لمقومات الديمقراطية السياسية. وهكذا أصبحت الإدارة وأجهزة الأمن والمخابرات مشغولة بقمع المعارضين وصنع الأحزاب الموالية للسلطة وتمييع الحياة السياسية. مرهقة بذلك ميزانيات الدولة ومثقلة كاهلها بنفقات التجهيزات القمعية والتسيير الظرفي الارتجالي والتبذير,على حساب الدور الاجتماعي والتنموي للدولة.
وتعمق الطابع المخزني الطفيلي في الاقتصاد عن طريق تقوية اقتصاد الريع والمضاربات العقارية والشبكات المصلحية المرتبطة بالرشوة والزبونية واختلاس أموال الدولة والاستحواذ على صناديق المؤسسات .
وفي إطار نفس النسق التسلطي المعادي للحرية والديمقراطية, تمت تصفية حركة المقاومة الشعبية وجيش التحرير, وتحجيم الحركة الوطنية وتعميق الهوة بين مكوناتها . وتم توظيف جيش من أعوان السلطة لخنق المعارضين والرأي الحر والتضييق على المواطنين وعزل البوادي وقمع كل أشكال التعبير والاحتجاج على مستوى المغرب كله , خاصة عن طريق المقدمين والشيوخ والأجهزة البوليسية السرية التي أصبحت تتحكم في حياة المواطنين وتدوس على حقوقهم .
لقد أصبحت الأجهزة القمعية والبوليسية بسلطة قمعية مطلقة ولا تخضع لأية رقابة، مما أدى إلى ارتكاب ممارسات مخلة بالكرامة الإنسانية , وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان . وطغى الوجه البوليسي للنظام وبرزت ممارساته الوحشية في الحملات القمعية الواسعة, وفي الاغتيالات والاختطافات والمحاكمات الصورية . وملء السجون والمعتقلات السرية. وبالمقابل لم تتوقف الحركية النضالية والشعبية الرافضة لهذه الأوضاع المفروضة بقوة الحديد والنار والمناضلة ضدها، والحركات الاحتجاجية والمطلبية وظهور منظمات يسارية وراديكالية من أجل تغيير الأوضاع.
وقد سجلت انتفاضة مارس 65 منعطفا كبيرا في حركية النضال والاحتجاج الشعبي وتنامي الوعي السياسي, رغم ما واكبها من قمع دموي.
وتعمقت أزمة النظام مع المحاولتين الانقلابيتين سنتي 1971 و 1972، مما دفعه إلى إعادة النظر في إستراتيجية الحكم السابقة ووضع إستراتيجية جديدة قوامها احتواء الأحزاب المنبثقة عن الحركة الوطنية وتقريبها من السـلطة, وإعطاءها هامشا من الحياة السياسية عن طريق ما سـمي بالمـسلسل الديمقراطي.
وجاءت قضية الصحراء فحاول النظام استغلال الحس الوطني لبناء إجماع سياسي حوله. واستفادت السلطة من المغربة ومن ارتفاع أثمان بعض المعادن بعد منتصف السبعينات , وذلك من أجل توسيع القاعدة الاجتماعية للطبقات المستفيدة من السلطة . إلا أن التبذير والسياسات اللاشعبية التي عمقها سياسة التقويم الهيكلي المفروضة وسعت الهوة بين فئة قليلة من الاحتكاريين الأثرياء والمتنفدين الذين يستحوذون على خيرات البلاد ومقاليدها وبين غالبية الشعب المحرومة التي تعاني من تزايد الفقر والبؤس والبطالة . الشيء الذي زاد من وثيرة الحركات الاحتجاجية والإضرابات والمظاهرات في السنوات اللاحقة ( سنوات : 91-84-81 ) .
لقد ظل النظام يعمل من أجل اختراق المجتمع المغربي وضبط توازناته , من خلال سياسة مزدوجة تقوم على القمع والاحتواء. إلا أن ذلك لم يستطع الحد من تفاقم الأزمة التي ظل يتخبط فيها بسبب التناقضات التي تخترقه وخاصة التناقض بين مصالح الطبقات المسيطرة القائمة على الريع والامتيازات غير المشروعة, ومصالح الطبقات الشعبية والفئات المحرومة والمهمشة. كما لم يستطع إيقاف نضال الشعب المغربي المتواصل من أجل الحرية والعيش الكريم.
2 – دينامـية التغيير في المجتمع المغربي وعوائق البنيات المخزنية
في ارتباط مع توسع حجم الحركات الاحتجاجية والمطلبية, وتنامي الحركة الحقوقية والنسائية والجمعوية كانت الظرفية الدولية منذ أواخر الثمانينات ضاغطة بدورهي اتجاه التغيير. خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ومعسكر أوروبا الشرقية , واحتلال الامبريالية الأمريكية لمركز الصدارة في النظام العالمي الجديد القائم على نظام القطب الرأسمالي المهيمن ( القطب الواحد ).
كان النظام يتخبط في أزمته المتفاقمة, وكان يسعى بكل الوسائل للخروج منها خاصة مع بروز التيارات الإسلاموية واتساع تأثيرها، وشعر بأن المعطيات الجيوسياسية في المنطقة المغاربية تغيرت, وأن العلاقات مع أوربا تميل نحو أشكال جديدة من الشراكة، وبالتالي فالأدوار المطلوبة من الأنظمة الموالية للغرب, لم تعد كما كان عليه الأمر في ظل نظام القطبين والحرب الباردة.
وقد أكدت أعلى سلطة في البلاد آنذاك أن الأزمة خانقة وأن النظام مهدد، هو ما تم وصفه بخطر السكتة القلبية , التي لم يعد بالإمكان الاستمرار معها في نفس النهج وفي نفس أسلوب الحكم , الذي قاد إلى الطريق المسدود .
وبالمقابل تم الإعلان عن الكتلة الديمقراطية التي نادت في ميثاقها بإصلاحات أساسية, ورفعت مذكرات مطلبية متوالية للملك منذ سنة 1992 لإحداث الإصلاحات الدستورية والسياسية الضرورية لإرساء الديمقراطية.
وتنامت الحركات المطلبية والاحتجاجية ومبادرات المجتمع المدني. وظهرت ملامح صحافة مستقلة. وأصبح مطلب التغيير الديمقراطي أكثر انتشارا وملحاحية، ولم يعد بالإمكان تجاهله حتى من طرف القوى المعادية للديمقراطية.
وأصبح المغرب مفتوحا على عدة احتمالات وسيناريوهات، مما أدخل المجتمع المغربي في دينامية جديدة, غذتها وأنعشتها بعض الإجراءات التي خففت من مظاهر قمع حرية التعبير والمس بحقوق الإنسان, ومنها على الخصوص إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وعودة المنفيين وإلغاء و تغيير بعض القوانين.
إلا أن رهان التغيير الذي أفرزته معطيات الظرفية الوطنية والدولية منذ منتصف التسعينات على الخصوص, لم تستجب له السلطة والقوى المخزنية بفسح المجال أمام المشاركة الجماهيرية, والعمل على تحقيق المطالب الديمقراطية, بل عملت على احتواء الوضع في إطار ما سمي ” سياسة التوافق ” التي استجابت لها بعض قوى الصف الوطني الديمقراطي، حيث وافقت هذه القوى على دستور 1996, وتخلت عن روح ميثاق الكتلة الديمقراطية, وقبلت في النهاية المشاركة في الحكومة.
لقد مكنت ” سياسة التوافق السلبي ” هاته،في إطار القبول بدستور 1996،النظام من الحفاظ من خلالها على بنياته الأساسية والمخزنية, وخفف من حدة الضغوط والتناقضات التي كان يواجهها. إن التغييرات التي عرفها المغرب في هذه الفترة ظلت جزئية وظرفية ولم ترق إلى مستوى الحد الأدنى من المطالب الديمقراطية المعلنة آنذاك وعلى الخصوص المطالب المتعلقة بالإصلاحات السياسية والدستورية. وهكذا استطاع النظام احتواء الوضعية والخروج ولو بصفة مؤقتة من الأزمة, دون تقديم تنازلات أساسية فيما يخص الثوابت المخزنية التي ظلت معرقلة وكابحة للتطور الديمقراطي. ولم تكسب الحركة الديمقراطية والجماهيرية إلا بعض الهوامش المحدودة, في حين ظل واقع الحريات والحقوق الديمقراطية على ما هو عليه بين مد وجزر, وبقيت شروط عيش الغالبية العظمى من المواطنين في تدهور, وازدادت حدة الفقر والبطالة.
لقد اصطدمت الدينامية التي عرفها المجتمع المغربي منذ منتصف التسعينات, بجمود البنيات المخزنية وتكلسها ومقاومتها لأي تغيير حقيقي , مما جعل محاولات التغيير والتجديد محدودة الأثر. وقد ساعد على ذلك إلى حد كبير موقف القوى الوطنية والديموقراطية المشاركة في حكومة ” التناوب “. فالمغرب, على خلاف ما جرى في بلدان أخرى, لم ينفتح بعد على مسار الإنقاذ والتطور, بقدر ما ظل منحدراً في مسار الأزمة الذي لم تستطع إيقافها الإصلاحات الجزئية والتغييرات الفوقية المحدودة.
3 – قضايا وحدة التراب الوطني
دخلت قضية صحرائنا منذ انتهاء الحرب الباردة, وبروز الأحادية القطبية, وما يسمى بالنظام العالمي الجديد, مرحلة جديدة أبرز سماتها الأساسية, تحكم الولايات المتحدة الأمريكية من خلال مجلس الأمن الدولي في ملف الصحراء, واستعماله للضغط على دول المنطقة وابتزازها بما يخدم الاستراتيجية الأمريكية الاقتصادية والسياسية بالمنطقة المغاربية وأيضا بما يقوي المخطط الأمريكي الصهيوني في المنطقة العربية ويضعف القوى المناهضة له.
وفي ظل هذه المعطيات الدولية المستجدة, وفي ظل تحديات العولمة المسارعة وما تفرضه على شعوب العالم الثالث من ضرورة توفير شروط الاستقرار والتنمية والتقدم فإن حزب اليسار الاشتراكي الموحد مقتنع بضرورة إيجاد حل سياسي بتدبير ديمقراطي لملف الصحراء، يقوم على المحاور والأهداف التالية :
- ضمان السيادة الوطنية ووحدة التراب الوطني.
- إرساء نظام جهوي يمكن سكان الصحراء من التدبير الواسع لشؤونهم .
- جعل المنطقة المغاربية منطقة للسلم والاستقرار والتكامل والاندماج الاقتصادي.
- تُجنيب المنطقة تدخل وابتزاز الولايات المتحدة الأمريكية, وإفشال مشاريعها المتعارضة استراتيجيا مع مصالح شعوب المنطقة والقائمة على البلقنة والتفتيت .
إن توفير شروط إنجاز هذا الحل السياسي الديمقراطي لملف الصحراء وتدشين مرحلة جديدة للتعاون والتكتل الاقتصادي بالمنطقة يتطلب على المستوى الدولي استثمار التناقضات والمصالح المختلفة بين الولايات
المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي, ويفرض على شعوب المنطقة المغاربية وقواها الديمقراطية ربط جسور الحوار والتواصل والتفاعل الإيجابي خدمة لقضايا الديمقراطية والتنمية والتقدم الاقتصادي والاجتماعي .
أما على المستوى الداخلي ،فإن الحزب يرى أن التدبير الأمثل لهدا الملف الحيوي والاستعداد لمواجهة كل احتمالات المستقبل يتطلب مايلي:
1 ) تقوية اللحمة والوحدة الوطنية وذلك بالقيام بالإصلاحات الكبرى دستوريا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا المؤسسة لعملية الانتقال الديمقراطي .
2 ) اعتبار قضية الصحراء, قضية شأن عام, وبالتالي إشراك القوى السياسية في إدارة هذا الملف الحيوي ومتابعة كل مستجداته.
3 ) تحريك وتفعيل الدبلوماسية المغربية, وتقويتها بدبلوماسية شعبية تعمل على إشراك القوى السياسية وفعاليات المجتمع المدني واستثمار علاقاتها وإمكانيات تأثيرها الواسعة.
4 ) الابتعاد عن سياسة ضخ الامتيازات والمصالح على نخب صحراوية فاسدة , والانفتاح على نخب المجتمع المدني الصحراوي وعلى كافة المواطنين الغيورين والعمل على إعادة الاعتبار لقيم المواطنة والمشاركة السياسية .
5 ) تجاوز المنظور الأمني الضيق, والاعتماد على منظور تنموي شامل بإشراك كل الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين يهدف إلى جعل الصحراء قطبا تنمويا واعدا.
وعلى صعيد آخر،فإن استمرار احتلال اسبانيا لسبتة ومليلية والجزر الجعفرية ومارافق دلك من محاولات إدماج المدينتين في النسيج الاقتصادي والسياسي الاسباني من بطاقة الإقامة وصولا إلى التجنيس النهائي، يطرح على المغرب دولة وقوى سياسية ومجتمعاً مدنياً وضع خطة استراتيجية تهدف استعادة إلى المدينتين والجزر الجعفرية تقوم على المحاور التالية :
* اعتماد سياسة تنموية للأقاليم الشمالية , والتأسيس لأقطاب تنموية جهوية محيطة بالمدينتين للعمل على تغيير الدور الحالي للمدينتين كنقطتين لإغراق لسوق المغربية بالسلع المهربة وما يترتب عن ذلك من نتائج كارثية على الاقتصاد الوطني .
* تثمين علاقات التعاون الاقتصادي , وتطوير علاقات وجسور التواصل والحوار الحضاري بين الشعبين الجارين الإسباني والمغربي وبين القوى الديمقراطية في البلدين والدفع في اتجاه تغليب المصالح الاستراتيجية للشعبين على كل النزعات الاستعمارية البائدة .
4 – مـفارقـات الوضع الراهــن
وأســـئلــة المستـــقبل
إذا كانت الفترة التي عاشها المغرب في ظل ” حكومة التناوب التوافقي ” قد طغى عليها خطاب التفاؤل وإعلان النوايا والتعبير عن الرغبة في الإصلاح , فإن النتائج العملية السياسية التي انتهجتها السلطات خلال هذه المدة , ظلت مخالفة لذلك , وغير مستجيبة لمتطلبات التحول في اتجاه المجتمع الديموقراطي بل إن بعض هذه النتائج كان مناقضاً للتطلعات الديمقراطية. فقد أفصحت حكومة ” التناوب التوافقي ” عن برنامجها ووعدت بعدة إصلاحات، بل أعلنت عن فتح أوراش لتلك الإصلاحات. لكن مظاهر البطء وعدم التغيير ظلت سائدة في الحياة السياسية وعمل الإدارة وملازمة لعلاقة السلطة بالمواطنين.
وفي حين ظلت أساليب الاشتغال والآليات المخزنية حاضرة ومؤثرة, فإن لوبيات الفساد المالي والإداري والانتخابي احتفظت بمواقعها الأساسية في السلطة والإدارة وكانت تملي إرادتها ولو بشكل غير معلن , وتنفذ أهدافها أكثر ما تنفذ قرارات الحكومة التي ظلت في غالب الأحيان حبرا على ورق. لقد بقيت حكومة ” التناوب التوافقي ” عاجزة على مواجهة هذا الوضع , مثلها مثل الحكومات السابقة . وذلك
بحكم محدودية صلاحـيتها وعدم توفـرها عـلى أية سلطة حكومية فعلية , مما جعل تأثيرها ضعيفا , وإمكانياتها شبه منعدمة , وأدى إلى عرقلة خططها وتكسير برامجها وإفراغها من أي محتوى إصلاحي حقيقي . فتعمق الاختلال وانعدم التوازن , وازداد الوضع تفاقما من خلال الأحداث والتطورات التي عرفها المغرب خلال السنوات الأخيرة . حيث تميزت الأوضاع بعدة مفارقات من أبرزها التناقض الصارخ بين الخطاب الرسمي الذي ظل يؤكد على الحداثة والديموقراطية , وبين استمرار تحكم البنيات التقليدية والعلاقات المخزنية في دواليب الدولة ومراكز القرار. وفي ظل هذه المفارقات , برزت عدة تناقضات , كما برزت التراجعات التي ميزت السنتين الأخيرتين على الخصوص , من خلال الوقائع والأحداث التالية :
-1إجراء الانتخابات في ظل القوانين القديمة المطعون فيها , واستمرار أجواء انعدام المصداقية والنزاهة بسبب أساليب التمييع وشراء الأصوات .
-2الاستمرار في التغاضي على ملفات الفساد الإداري والانتخابي والاختلاسات الكبرى .
-3عدم إعمال مبدأ المراقبة والمساءلة , خاصة فيما يتعلق بملف الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان , وذلك رغم الحديث عن طي صفحة الماضي .
-4الالتفاف على مطالب الحركة الجماهيرية وقمع التحركات النقابية والاحتجاجية وتحركات المعطلين .
-5صعود ملحوظ للتيارات الإسلاموية , واسترجاع اللوبيات المخزنية لأنفاسها .
-6تململ اليمين المخزني من داخل أجهزة الدولة وخارجها ومقاومته لكل محاولات الإصلاح .
-7صدور قوانين غير ديموقراطية لا تراعي مبادئ حقوق الإنسان , خاصة قانوني الإرهاب والهجرة
8تصاعد الممارسات القمعية وممارسة التعذيب والمحاكمات غير العادلة, وقمع الصحافة والصحافيين والحركات الاحتجاجية.
-9اشتغال الصناديق والمؤسسات الموازية للحكومة بشكل يجعلها صناديق ومؤسسات فوق – حكومية
-10الإعلان عن اتفاقية التبادل الحر وما تخلفه من آثار على بعض القطاعات المنتجة.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه من بين مفارقات الوضع بروز مظاهر الانقسامات والصراعات والتناقضات في الأوساط التقدمية والنقابية, ما أدى إلى إرباك الصف الديموقراطي وإضعاف تأثيره في مجرى الأحداث .
وجاءت أحداث 16 ماي 2003 لتعمق من حدة التناقضات والمفارقات في الوضع فبقدر ما كانت هذه الأحداث مؤلمة ومنذرة بنمو العنف المجتمعي, بقدر ما أدت إلى إحداث رجة في المجتمع المغربي الذي وقع تحت تأثير صدمة ظن أنه في مأمن منها . لكن الوجه الآخر لهذه لأحداث أنها كشفت عن هشاشة الوضع الاقتصادي والاجتماعي في المغرب واحتمال تفجره في أية لحظة .
بمناسبة هذه الأحداث تجدد الإحساس بالشرخ السياسي والاجتماعي الذي يعاني منه مجتمعنا الممزق بين قيمه التقليدية وبين قيم الحداثة والحرية ونمط العيش الغربي. ولذلك كان من المفروض أن تتعدد المبادرات من أجل فتح نقاش جدي وواسع حول خلفيات هذه الأحداث , وحول واقع المجتمع المغربي وآفاقه المستقبلية على ضوء ذلك , وبالتالي تخليص المجتمع من حالة التشرذم الثقافي والتمزق الفكري والتربوي التي يعاني منها .
لكن الاهتمام ظل سطحيا, وبقيت المبادرات التي أقدمت عليها بعض المنابر الصحافية والإعلامية محدودة رغم أهميتها . مما يجعل مهمة فتح هذا النقاش لا زالت مطروحة , وهي مسؤولية جميع الفاعلين المهتمين بمستقبل البلاد , وبالتالي فإن على مناضلي اليسار أن يلعبوا دورهم في الدعوة إليها والإلحاح عليها باستمرار.
إذا كانت أحداث 16 ماي مناسبة عبر فيها اليسار الاشتراكي الموحد وباقي القوى المجتمعية الديمقراطية على التنديد الكامل بها والرفض المطلق للأساليب المختلفة للإرهاب, فإنها كانت في نفس الآن مناسبة لطرح موضوع الإرهاب والعنف للنقاش في المجتمع , إلا أن الصورة لم توضع كاملة أمام الشعب المغربي ليعرف أن الإرهاب ليس وليد اليوم , وليدرك أن الإرهاب لا ينفصل عن الأسباب المؤدية إليه.
فالعنف المجتمعي تمارسه البنيات المخزنية يوميا على المواطنات والمواطنين , والإرهاب الفكري كان وما زال جزءا من الثقافة المخزنية السائدة , وهي تنتجه وتعيد إنتاجه عن طريق الاستبداد, وبواسطة الأجهزة الإيديولوجية والقمعية للدولة والمنظومة التربوية ومنظومة القيم في المجتمع. وما دامت الثقافة المخزنية وثقافة التعصب الأصولي شريكتين في مناهضة المساواة وحرية التفكير والعقيدة والحق في الاختلاف وحرية التعبير وقيم التسامح, فإن الدولة باعتبارها مسؤولة على المنظومة التربوية ومنظومة القيم السائدة, وعلى وسائل الإعلام السمعية والبصرية, قد عملت بممارستها على ترويج وإشاعة ثقافة الخوف والتعصب. وهذه هي الأجواء التي وفرت الأرضية الخصبة لانتشار التيارات المتطرفة المتسترة وراء الدين. بل أكثر من هذا فالأعمال الإرهابية
الوثيقة السياسية
مورست في الحرم الجامعي منذ سنوات على مرأى ومسمع من الأجهزة الأمنية, وتم قتل الأبرياء والاعتداء عليهم بموجب فتاوى تجري في الخفاء. كما تم التغاضي على مصادر الأموال المرتبطة بالدعاية الدينية واستقطاب الأتباع وتنقيلهم للتدريب عبر شبكات نذرت نفسها لذلك, وليست أحداث 16 ماي إلا صورة ونتيجة للممارسات التي سبقتها, وبالتالي فإن الدولة والسلطة المخزنية لا يمكنها اليوم أن تتملص من مسؤولية توفير شروط نمو الإرهاب الذي أصاب مجتمعنا , كما أنها لا يمكن أن تكتفي بمواجهته ببعض الإجراءات الرادعة.
وفي الوقع فإن أحداث 16 ماي لم تزد إلا في تعقيد الأوضاع, خاصة بالنسبة للقوى الديموقراطية التي أصبحت مطالبة بالنضال المزدوج ضد الشروط الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتردية المؤدية إلى التهميش واليأس, وضد مظاهر الخوف والإرهاب والتعصب أيا كانت مصادرها.
لقد أكد حزبنا في مؤتمره التأـسيسي على أن المغرب يعيش تحولا سياسيا محجوزا ناتجا عن استمرار تحكم الثوابت المخزنية المتمثلة في الاستفراد بالحكم وتهميش كل المؤسسات المعنية بتسيير المجتمع . وإن التطورات اللاحقة التي عرفتها بلادنا خلال السنتين الماضيتين بمفارقاتها وتناقضاتها , بما فيها حصيلة حكومة ” التناوب التوافقي ” التي ظلت تعاني من عجز بنيوي عن القيام بالإصلاحات الضرورية , لم تزد إلا في تأكيد واقع الإعاقة والحجز الذي لا زالت تعيشه بلادنا , وتكرسه البنيات والممارسات المخزنية المفروضة.
إن الإيجابيات التي تحملها دينامية التجديد والتغيير والنضال التي يعرفها مجتمعنا , يجب أن لا تحجب عن أعيننا وعن أعين الأجيال المقبلة بأن هناك أخطاراً حقيقية ومتعددة تتربص بالمجتمع المغربي ومستقبله . وبالتالي فإن القوى الديموقراطية وقوى اليسار والتحديث مطالبة أكثر من أي وقت مضى بالحفاظ على وحدة الصف و دينامية التجديد والتغيير الديموقراطي وتعزيز المكتسبات التي حققتها الحركة الجماهيرية, خاصة على المستويات الحقوقية والنسائية والشبابية والجمعوية والنقابية والثقافية. كما أن القوى الديموقراطية واليسارية مطالبة أكثر من أي وقت مضى بتعزيز وحدتها والرفع من الروح النضالية في صفوفها, ووضع برنامج عمل ونضال يمكن من فتح مسار وصيرورة تغيير حقيقي في اتجاه التحول الديموقراطي المنشود, وذلك عبر تحقيق إصلاحات دستورية وسياسية كفيلة بإخـراج البلاد من الـمأزق السياسي الذي تتخبط فيه, بـسبب هيمنة وتحكم البنيات والثوابت المخزنية المعيقة, التي تستبد بواقعنا.
5- الإصلاحات الدستورية والسياسية
تأسيسا على منطلقات وتوجهات المؤتمر التأسيسي لحزب اليسار الاشتراكي الموحد , الذي اعتبر أن المهمة المركزية المطروحة على جدول أعمال الشعب المغربي وقواه المناضلة هي الانتقال من الدولة المخزنية ونظام الحكم الفردي المطلق المؤسس على نظام المصالح والامتيازات واقتصاد الريع إلى نظام حكـم ديمـقراطي و دولة ديمقراطية في خدمة المجتمع , تحظى الإصلاحات الدستورية وآلياته بأولوية الاهتمام وصدارة النضال الديمقراطي .
لقد كان لإرساء النظام الاستبدادي ذي الجوهر المخزني العتيق , وإعاقة أية إمكانية لبناء حكم ديمقراطي قائم على الرقابة الشعبية وعلى المشاركة السياسية الواعية وعبر وجود حكومة مسؤولة ومحاسبة أمام ممثلين حقيقيين للشعب , وعبر إرساء سلطة قضاء مستقل ونزيه … , لقد كان كل ذلك السبب الجوهري فيما عرفه المغرب منذ تلك الفترة من قمع واضطهاد , ومن تدهور في أوضاعه العامة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ومن استشراء منظومة الفساد ونهب الثروات وتدمير القيم . وقد فشلت كل الدعاوى التي حاولت أن تجعل بالإمكان انتقال المغرب
نحو التنمية , كما فشلت الأوهام التي حاولت تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية دون المس بنظام الاستبداد والحكم الفردي المطلق , كما أكدت تجربة ما سمي بحكومة التناوب التوافقي وبأخطائها القاتلة , استحالة التقدم خطوة في اتجاه التنمية الشاملة دون أن تتوفر الوسائل السياسية والدستورية الضرورية لذلك , ودون إصلاح النظام السياسي وإخراجه من تأخره وإدخاله لروح العصر ومتطلباته .
لقد دأب اليسار الاشتراكي الموحد ومنذ مؤتمره التأسيسي يؤكد على محورية الإصلاح السياسي الدستوري في سيرورة الانتقال نحو الديمقراطية ويؤكد على حاجة المغرب لتعاقد إيجابي منتج يفضي إلى بلورة وثيقة دستورية تحظى بالقبول من طرف المكونات السياسية الأساسية للأمة, إلا أن الطرف الأساسي في هذه المعادلة لم يعر أي اهتمام لهذا المطلب.
إن التعاقد الذي يدعو له اليسار الاشتراكي الموحد ينبني أساساً على اعتبار السيادة للشعب يمارسها عبر ممثليه المباشرين, سواء داخل جهازي السلطة التشريعية والتنفيذية أو عبر الهيآت والأحزاب السياسية والمجسدة لكل الحساسيات الفكرية والثقافية التي تعبر من خلالها الشرائح الاجتماعية المختلفة عن مصالحها… وهذا يقتضي أن يتم التعاقد على أساس الاعتراف الواضح دستوراً بدور الأحزاب السياسية كطرف سياسي أساسي لا يقتصر دوره على تأطير المواطنين وفق منظور الدولة وانطلاقا من إكراهاتها المعلن بل يتسع على ما تمثله الأحزاب حقيقة في الواقع السياسي كمعبر عن مصالح اجتماعية لفئات وشرائح وطبقات لا يمكن أن يستقيم الحديث عن إصلاح سياسي من دونها , فمؤسسة العلاقة بين المؤسسة الملكية والأحزاب السياسية ووضع حد لكل أشكال الاستفراد بالقرار في القضايا الاستراتيجية المصيرية للدولة سواء تعلق الأمر بتدبـير الحياة السياسية أو بلورة المخططات الاقتصادية وتحديد الاختيارات الكبرى للدولة في هذا المجال , وكذا ما تعلق بالعلاقات الدولية للمغرب ومواقفه تجاه ما يعتمل داخل الساحة الدولية من صراعات سياسية واقتصادية وثقافية وجيوسياسية .
إن التعاقد المطروح هو ذلك التعاقد المبني بوضوح على خلفية الديمقراطية وكل ما راكمته التجربة والفكر البشريان في شكل الدولة وعلاقات الحاكمين بالمحكومين , والتي يمكن إجمال معالمه البارزة في مبدأ المواطنة الذي يتنافى كليا مع مفهوم الرعية , وسيادة القانون بين الجميع وعلى الجميع ومبدأ فصل السلط الحقيقي والمؤسسة دستوريا ومبدأ المحاسبة مقابل المسؤولية . و اليسار الاشتراكي الموحد لا يتصور ضمن هذا المنظور ومن زاوية المصلحة الوطنية إمكانية استمرار النظم العتيقة لكل تجلياتها في تدبير الشأن السياسي , ولا يتصور إمكانيات للانتقال الديمقراطي نحو التحديث بدون إشراك حقيقي لكل الفاعلين السياسيين في تدبير الشؤون السياسية العامة واعتماد الشعب أساسا لكل السلط .
* لذلك يناضل اليسار الاشتراكي الموحد من أجل :
أولا : وضع دستور متعاقد عليه يؤكد ويضمن السيادة للشعب , ويرسخ مبدأ فصل حقيقي للسلط ويحدد صلاحيتها بما فيها صلاحية المؤسسة الملكية , بما يراكم تدريجيا الطابع البرلماني في بنية النظام السياسي , و يجعل سيادة الأمة سيادة كاملة وتامة . إن أساس كل ذلك ينبني على :
1 – قيام حكومة مسؤولة وذات شخصية مستقلة وهو ما يقتضي التنصيص وبوضوح على إلزامية انبثاق الحكومة من الأغلبية البرلمانية, وعلى وجوب اختيار الوزير الأول من داخل هذه الأغلبية.
2 – إعطاء الوزير الأول حق اقتراح الوزراء وإعفائهم من مناصبهم, وحق اقتراح الولاة والعمال وإقالتهم من مناصبهم, وجعل جميع الموظفين الساميين والكتاب العامين للوزارات تحت سلطة الحكومة.
3 – إعطاء المجلس الحكومي هامشا واسعا من السلطة التقريرية, وتقوية صلاحية الوزير الأول بما فيها حقه في رئاسة المجلس الوزاري بالتفويض.
4 – إعطاء الحكومة صلاحيات تمكنها من تنفيذ برامجها والاضطلاع بتحمل مسؤوليتها والتنصيص على أن الحكومة مسؤولة تضامنيا على تنفيذ سياستها, وعلى أنها تدير السياسة العامة وتمارس الوظيفة التنفيذية والسلطة التنظيمية.
5 – إلغاء الغرفة الثانية باعتبارها مجالا لتعطيل وتمطيط الإجراءات التشريعية ومجالا لتبذير المال العام على أن تعوض بالمجلس الاقتصادي الاجتماعي ذي الاختصاصات المحددة.
6 – الاعتراف دستوريا بالقضاء كسلطة على قدم المساواة مع باقي السلط, مع ضمان استقلاله وحياده, وإصلاحه جذريا بما يضمن العدالة والنزاهة.
7 – بناء دولة الحق والقانون مساواة جميع المواطنين أمام القانون. لذلك من الضروري أن ينص الدستور صراحة على أن الرجل والمرأة متساويان في الحقوق السياسية والمدنية , وان يتم التأكيد على أن الدستور أسمى تعبير على إرادة الأمة وأن الجميع أفرادا وهيآت تخضع لمقتضياته .
8 – مراجعة القانون المنظم للجهة, بما يضمن اعتبارها وحدة ترابية اقتصادية وثقافية واجتماعية مما يؤهلها للقيام بدور تنموي وازن ومراجعة القوانين المنظمة لإحداث الجهات.
9 -الإقرار الدستوري باللغة الأمازيغية كلغة وطنية ورد الاعتبار للثقافة الأمازيغية كبعد أساسي في الهوية المغربية بما يضمن ويصون الوحدة والهوية الوطنية.
ثـانـيـا : الإقدام على إصلاحات سياسية جذرية وجوهرية تمكن من القضاء على مظاهر ودواليب الفساد وتفسح المجال نحو المبادرات المؤدية إلى التنمية الشاملة , وفي مقدمة هذه الإصلاحات :
1 -تحديث وزارة الداخلية والنظام الأمني وإعادة هيكلتها وتفكيك الأجهزة القمعية السرية ضمانا وتأكيدا للحريات الأساسية وأمن المواطنين وترسيخا لآليات دولة الحق والقانون.
2 – رفع وصاية وزارة الداخلية على الجماعات المحلية وتقوية اختصاصاتها ومراجعة القوانين المنظمة لعملها بما يقوي دورها التنموي.
3 – تطهير دواليب الدولة وإدارتها من بؤر الفساد والمفسدين, ووضع آليات قانونية حازمة لصيانة المال العام ومحاسبة المسؤولين عن النهب والاستحواذ الذي طال هذا المال العام ومراجعة الأجور العليا لكبار الموظفين وإلغاء نظام المصالح والامتيازات.
4 – تحديث وعقلنة النظام الإداري والتسيير لدواليب الدولة استناداً على التخطيط والمراقبة والمحاسبة والتحفيز, وتشجيع وإشاعة قيم العمل والاستقامة.
5 – إصلاح مجال الإعلام السمعي البصري إصلاحاً حقيقياً وذلك بضمان استقلاليته وجعله تحت إشراف هيأة مستقلة ونزيهة وذات كفاءة عالية.
6 – طي صفحة الماضي المظلم وذلك بالإعلان عن كل حقائق سنوات ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان, وخلق آليات للمساءلة والمحاسبة وإبعاد المسؤولين عن تلك المرحلة من مواقع المسؤولية, وتوفير جميع الضمانات السياسية الدستورية والقانونية الكفيلة بحماية الحق في الرأي والتعبير والتنظيم, وبما يضمن ألا تتكرر وبشكل نهائي تلك الممارسات.
7 – تحريك ملف استرجاع سبتة ومليلية والجزر الجعفرية والكناري وباديس وتنمية المناطق المحيطة بها .
8 – إيجاد حل سياسي بتدبير ديمقراطي في الصحراء يتجاوز التوثر ويبني الاستقرار في المنطقة, حل يضمن السيادة الوطنية المغربية ويمكن سكان جهة الصحراء من التدبير الواسع لشؤونهم ويساهم في جعل المنطقة المغاربية فضاء للسلم والتعاون.
6 – التحالفات
إن حزب اليسار الاشتراكي الموحد استنادا على توجهات مؤتمره التأسيسي ينطلق في التعامل مع مسألة التحالفات بناءاً على أن المهمة المركزية المطروحة للإنجاز أمام الشعب المغربي وقواه الحية هي الانتقال من الدولة المخزنية إلى الدولة الديمقراطية الحداثية دولة الحق والقانون وتوفير كل الشروط الدستورية والسياسية والثقافية لتحقيق التنمية الاجتماعية الشاملة.
إن الحزب يحدد هذه المهمة المرحلية في ارتباط بين البعد الديمقراطي الوطني والبعد الاجتماعي وأيضا في تمفصل مع المهام الاستراتيجية المتمثلة في تلمس الطريق لبناء المجتمع الاشتراكي الخالي من كل أشكال الاستغلال والاضطهاد على أنقاض نظام الليبرالية المتوحشة المدمر للقيم وللإنسان وللبيئة الطبيعية .
إن مهمة بناء الديمقراطية تعبر عن مطامح ومصالح الطبقات الشعبية الأساسية من عمال وفلاحين وفئات وسطى وعموم الكادحين والمهمشين و الرأسمال المنتج. من هذا المنطلق فإن كل القوى السياسية التي تنشد الديمقراطية خيارا مجتمعيا استراتيجيا يستهدف التغيير الديمقراطي مطالبة موضوعيا بأن تتحالف و توحد الجهود والمساعي والطاقات لمناهضة القوى المعادية للديمقراطية سواء تعلق الأمر بالقوى المخزنية أو بالقوى المحافظة الرافضة لقيم الديمقراطية والحداثة والداعية للانطواء والانغلاق على الذات .
بناء على هذا التصور واعتبارا لموقع الحزب الخاص في الساحة الحزبية الوطنية , هذا الموقع الذي يؤهله لفتح جسور الحوار والتواصل والتنسيق والتحالف مع كل القوى الديمقراطية بمختلف مشاربها ومواقعها و انطلاقا من القواسم المشتركة على قاعدة الاحترام المتبادل, حدد الحزب المسارات التحالفية الثلاثة:
6-1 المسار اليساري :
اقتناعا من الحزب بأن المغرب الذي يجتاز مرحلة انتقالية مفتوحة على احتمالات عدة هي في حاجة إلى قوة يسارية مؤثرة ومبادرة وقادرة على الارتباط بالجماهير الشعبية والتعبير على مطامحها وأمالها وتأطيرها وقيادة نضالاتها اقتناعاً بذلك عمل الحزب على التواصل والانفتاح على قوي اليسار المعارض . وقد تم تدشين صيرورتين متكاملتين.
أ‌- سيرورة اندماجية:اليسار الاشتراكي الموحد والوفاء للديمقراطية:
بنفس الروح والثقافة الوحدوية التي أثمرت تأسيس اليسار الاشتراكي الموحد يستمر الحزب مع الرفاق في جمعية الوفاء للديمقراطية انطلاقا من إرادتهما المشتركة في توفير الشروط لبناء الحزب الاشتراكي المرتبط بالطبقات الشعبية الأساسية والمعبر عن آمالها في الديمقراطية والتنمية والعيش الكريم , تم الاتفاق على تدشين مسلسل الاندماج , وسيتم عرض قرار بعقد مؤتمر استثنائي اندماجي خلال سنة 2005 على مؤتمري الحزبين وسيعمل المكونان اليساريان : حزب اليسار الاشتراكي الموحد وجمعية الوفاء للديمقراطية على فتح نقاش حول هذا الموضوع مع أوسع القوى اليسارية والفعاليات المدنية الديمقراطية على اعتبار أن هذا المشروع اليساري التحديثي يتسع لكل الآراء والاجتهادات والتيارات المؤمنة بنفس الأهداف.
ب- سيرورة تحالفية (تجمع اليسار الديمقراطي ) :
إننا نطمح من خلال تأسس تجمع اليسار الديمقراطي الذي انبنى على أرضية سياسية وبرنامجية تؤطر معركة الانتقال الديمقراطي على المستوى الدستوري والسياسي والاجتماعي والثقافي , أن تعمل القوى اليسارية على تقوية صفوفها وتوحيد جهودها , وقيامها بخطوات نضالية في مختلف المجالات , تمكنها من الارتباط والتواصل مع مختلف الطبقات والفئات الشعبية , ومن استعادة المبادرة السياسية من أجل التأثير الوازن في مجرى الصراع السياسي ببلادنا وترجيحه لصالح الخيار الديمقراطي , كما نأمل أن يساهم هذا التحالف اليساري في فرض إيقاع جديد للنضال الديمقراطي في بلادنا وفي تقوية الثقة والروابط بين مناضلي المكونات اليسارية الخمسة وفتح النقاش حول القضايا ذات الطبيعة المرحلية أو الاستراتيجية لتوفير الشروط لبناء الحزب الاشتراكي المنشود .
6-2 مسار تحالف قوى الصف الوطني الديمقراطي: الكتلة الديمقراطية
على الرغم من المواقع المختلفة التي تحتلها من جهة الأحزاب الديمقراطية المشاركة في الحكومة على ضوء توافقات1996 ، وموقع حزبنا المعارض والمطالب بإصلاحات دستورية وسياسية عميقة وحقيقة وعلى الرغم من أن الأحزاب الديمقراطية المشاركة في الحكومة قد عملت على تهميش الكتلة الديمقراطية وتجميد عملها ، ومحاولة تحريف دورها عن ميثاقها الأساسي والذي يغطي مرحلة تاريخية بكاملها واختزالها في مجرد تحالف ظرفي داعم للحكومة ومرتبط بحساباتها والتعويض عنها بما أصبح يسمى( بالأغلبية الحكومية ) التي تجمع فسيفساء من القوى المختلفة بل المتناقضة الأهداف والمصالح فإن الحزب يرى مع ذلك كله أن هاته القوى لم تستنفذ دورها في عملية الانتقال إلى الديمقراطية وتجمعنا معها قواسم مشتركة عدة ونلتقي معها موضوعيا في هدف إرساء دعائم الديمقراطية الحق وهدف مواجهة وإضعاف القوى المناهضة للديمقراطية .
وانطلاقا من هذا المنظور فإن الحزب عمل وعليه أن يعمل في المستقبل على تطوير العلاقات الحزبية الثنائية مع قوى الصف الوطني والديمقراطي كما أن الحزب ما فتئ يطالب بضرورة تقييم أداء الكتلة بهدف تفعيلها وتحريكها وتوسيعها وانفتاحها على القوى اليسارية والديمقراطية وتجاوز كل السلبيات التي أدت إلى تجميدها وتهميش دورها وذلك حتى نستطيع جميعاً الإسهام الفعلي في استكمال إرساء دعائم دمقرطة الدولة والمجتمع .
6-3 مسار القطب الديمقراطي الواسع :
إن الحزب ارتكز في تـحديده لهذا المسار التحالفي على معطي واقعي يتمثل في وجود قوى ديمقراطية لا تنتمي لا للأسرة اليسارية ولا للقوى الديمقراطية التقليدية , و مشروع القطب الديمقراطي هو الفضاء المناسب لبداية التأسيس لتجميع كل القوى الديمقراطية بمختلف مواقعها ومرجعياتها ومشاربها بما يقوي ويعزز ويسند المشروع الديمقراطي ويضعف القوى المناهضة له . وبالرغم من صحة هذا المنظور فإنه من الناحية العملية لم يتمكن لحد الآن من اجتذاب إلا القليل من القوى والفعاليات وسيكون من اللازم تفعيل كل المبادرات التي تصب في هذا الاتجاه خدمة لمطمح الدمقرطة الشاملة .
المعيقات وآفاق العمل
إن واقع حال الوضع الحزبي الديمقراطي المغربي يحبل بمجموعة من السلبيات تشكل معيقات واقعية للعمل الوحدوي ولتطور المسارات التحالفية ونجمل هاته السلبيات أساسا في :
v ضعف التشبع بقيم الديمقراطية والعقلانية وإعمالها في الحقل الحزبي المغربي .
v سيادة النزعات النرجسية والإقصائية وتضخيم الذات الحزبية .
v عدم احترام وقبول الاختلاف والنظر للتحالف على أنه تماثل وتطابق .
v تضخيم النقاط الخلافية على حساب القواسم المشتركة .
v ضعف ثقافة التواصل الحزبي .
v القصور في ممارسة النقد الذاتي .
v تغليب المصالح والنزعات الحزبية الضيقة على حساب المصلحة الديمقراطية. .
v الارتكان للأوضاع الظرفية بدل استشراف المستقبل والاستعداد اللازم له .
بالرغم من كل هاته المعيقات وغيرها فإن حزب اليسار الاشتراكي وانطلاقا من وعيه العميق بأن الانتقال إلى الديمقراطية يتطلب توحيد كل اليساريين والديمقراطيين سيستمر في بذل كل الجهد من جهة لتوفير شروط النجاح لبناء الحزب الاشتراكي الحاضن لكل الآراء والاجتهادات و من جهة أخرى من أجل تحريك كل المسارات التحالفية مع الأخذ بعين الاعتبار أن الحزب ليس وحده من يحدد فشل أو نجاح هذا التحالف أو ذاك بل إن الأمر رهين أيضا بقناعة وإرادة الشركاء السياسيين الآخرين .
إن المسارات التحالفية المختلفة والمتعددة ليس فيها ما يدعو إلى التناقض أو الغموض بل هي مسارات متكاملة تعبر عن الاقتناع العميق بضرورة تجميع وتوحيد كل القوى المجتمعية الدافعة في اتجاه الدمقرطة والتحديث والتنمية والتقدم.
إن اليسار الاشتراكي الموحد الذي يعقد آمالا عريضة على مؤتمره الأول ليكون محطة نوعية , وانطلاقة حقيقية لمسار جديد في مشروعه السياسي , حين يقدم مشروع ورقته السياسية , إنما يأمل أن تأخذ نصيبها من التأمل العميق والنقاش الموضوعي من كافة المناضلين داخل الحزب وخارجه سواء ما تعلق بالمنطلقات الفكرية لحزبنا وتحليله للوضع الدولي بكل مستجداته وكذا تحليل الوضع العربي والمغاربي والمتوسطي بكل ملابساته أو ما يتعلق بتحليل الوضع الوطني وآفاق الممارسة السياسية وفي مقدمتها الإصلاحات الدستورية والسياسية الملحة ومسارات التحالفات المختلفة , كل ذلك إنما يمثل أساساً لمنظور شامل ومتكامل يستدعي من الرفاق ومن الحلفاء ومن الديمقراطيين التأمل والتحليل والنقد الموضوعي إسهاماً من الجميع في بناء التصورات المستقبلية التي يمكن أن تفتح آفاق المجتمع الديمقراطي الحداثي المنشود.
الوثيقة الاقتصادية
مقدمة
يهدف الجزء الاقتصادي من التقرير السياسي المعروض على المؤتمر الوطني الأول إلى تحليل الوضع الاقتصادي الوطني في ارتباطاته الإقليمية والحضرية وتموقعه داخل نظام اقتصادي عالمي جديد يتميز بهيمنة القطبية السياسية والعسكرية الواحدة وسيادة الأصولية الليبرالية في صيغتها الأكثر توحشا .
كما يستحضر التحليل طبيعة النظام الاقتصادي والاجتماعي في المغرب باعتباره الأساس الموضوعي للنظام المؤسساتي والسياسي المغربي وباعتبار المصالح والفئات الاجتماعية والبنيات التي تشكله وتتحكم في تطوره هي تلك التي تشكل وتتحكم في النظام السياسي القائم .
وينطلق التحليل من حقيقة مفادها أن استمرار وإعادة إنتاج بنيات وشبكات الريع والفساد واستغلال النفوذ والتخلف والتفكك يرتبط بشكل موازي وصميمي مع استمرار وإعادة إنتاج بنيات ومنظومة سياسية ومؤسساتية وإدارية ترفض الإصلاح والتحديث والدمقرطة والانفتاح على المواطن وعلى قيم العصر .
إن عجز النظام المؤسساتي والسياسي المغربي على الانفتاح واستعصاءه على التحديث والدمقرطة والإصلاح يفسر عجز النظام الاقتصادي والاجتماعي المغربي واستعصاءه على التقدم وعلى إطلاق سيرورة التنمية المستديمة وتحقيق مناعة نسيجنا الاقتصادي وتماسك جسمنا الاجتماعي .
إن غياب مشروع ذاتي المنطلق والتمركز وشامل الأبعاد هو الوجه الآخر لغياب إرادة سياسية تروم إصلاح النظام السياسي والمؤسساتي المغربي وتحديثه ودمقرطته.
وبهذا المعنى فإن مشروع البرنامج الاقتصادي والاجتماعي للحزب هو في العمق الشق الاقتصادي لبرنامج الإصلاح والتأهيل الشاملين الذي يشكل برنامج الإصلاح الديمقراطي السياسي والدستوري شقه التوأم.
1 – الإطار الدولي:
في نهاية الثمانينات أدى الانهيار المفاجئ للمنظومة السوفيتية إلى المصادقة تحت ضغط الولايات المتحدة القوة العالمية الوحيدة؛ على المقاربة النيو-كلاسيكية التي أسست لعدة قواعد أهمها :
الانضباط المتعلق بالميزانية ( القضاء على العجز المالي)؛ الإصلاح الجبائي الذي يستفيد منه أصحاب الثروات؛ التحرير التجاري الذي يهدف إلى إزالة الرسوم الجمركية في البلدان الأقل نموا بدون أي مقابل من لدن الدول الغنية؛ الانفتاح على الاستثمارات الأجنبية دون ضوابط ولا مراقبة؛ عمليات الخوصصة التي تضع الرأسمال العمومي بين يدي الأقوياء؛ اللا تنظيم les déréglementations) ) الذي يهدد ضمان الشغل للجميع و يقلص من المراقبة الاجتماعية والبيئية؛ ثم الحفاظ على الحكومات ذات الوزن الضعيف إلا فيما يخص الواجهة الأمنية.
وهكذا بدأت تتجلى معالم العولمة المالية كصيرورة لإعادة هيكلة الاقتصاد العالمي ساعية بذلك إلى حل أزمة الرأسمالية التي بدأت مع فائض الإنتاج الذي عرفته دول الشمال ، ناهجة استراتيجية جديدة هدفها قلب الاتجاه الذي يسير نحو تقهقر نسبة فوائد الرأسمال العالمي، لا يهمها في ذلك إلا الربح المادي كيفما كان سعره الاجتماعي ، مشكلة بذلك هجوما مباشرا على الشغل وأساسا على الشغل المنتج و المعيد للإنتاج الذي يعد الركيزة الأساسية لسير الإقتصادات للدول النامية .
أدت العولمة النيو-ليبرالية إلى تحول مؤكد في الدور الذي تلعبه الدولة في اقتصاداتها الوطنية، وأصبحت الحكومات؛ في البلدان النامية تعد هي الناقل لحركة هذه العولمة وتتصرف وفق مصالح القوى المهيمنة على حساب مصالح الجزء الكبير من شعوبها بعد لم يبقى لها إلا هامش صغير للتحكم في مجريات الأحداث .
إن عددا من الندوات الدولية والدراسات المتعلقة بالتنمية في البلدان السائرة في طريق النمو تؤكد على الهيمنة المتنامية والمقلقة ل “الأصولية اللبرالية” Le fondamentalisme libéral » « التي تتميز بالعنف الاقتصادي والمتمثل في : التسريحات الجماعية للمأجورين ، تسديد الديون اللا متناهية والتي تترك وراءها ملايير من الفقراء (من بين 6 ملايير نسمة في العالم 1.6 مليار شخص فقط يستفيدون من الخيرات والخدمات العالمية) ، المشروطات الاقتصادية التي تفرضها المؤسسات المالية ومنظمة التجارة العالمية.
وبشكل سريع يمكن تلخيص أهم مميزات الاقتصاد العالمي في السنوات الأخيرة كما يلي:
1- هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية واستعمالها سلطتها السياسية والعسكرية من أجل إبرام اتفاقيات التبادل الحر مع عدد من الدول والتحكم المباشر في سوق الموارد الطاقية وذلك من أجل احتواء التزاماتها في إطار منظمة التجارة العالمية ومحاصرة القوات الاقتصادية العظمى أو المتعاظمة كالاتحاد الأوروبي اليابان أو الصين ومنافستها.
2- هيمنة الرأسمال المالي le capital financier على النظام الرأسمالي العالمي بقيادة الصناديق الأمريكية les fonds de pension وتحكمها في حركية الاستثمار الدولي دون تحملها أعباء التسيير المباشر
3- صعود المبادلات اللامادية les flux immatériels وهيمنتها على المبادلات الدولية .
4- تصاعد الفقر والهامشية و الاستقرار والفوارق بين الشمال والجنوب.
5- تصاعد حركات المقاومة العالمية المتعددة الأشكال للعولمة المتوحشة وتمظهراتها
6- تنامي الاهتمام بمحاربة الرشوة وتبييض الأموال والمنافسة اللا مشروعة على الصعيد الدولي.
2 – القوى المؤثرة في الاقتصاد الوطني:
أ – الدولة وسيادة البنية المخزنية :
إن للدولة دور مركزي و جوهري في توفير البنيات التحتية و التجهيزات الاجتماعية الكبرى التي يجب أن تستند عليها كل تنمية اقتصادية منسجمة و متوازنة، وللدولة كذلك دور طلائعي في بناء الاقتصاد الوطني على أسس حديثة مندمجة و متكاملة. إلا أن ما يميز الدولة المغربية هو تجدر و تضخم الطابع المخزني لجهازها. فالمخزن كنظام سياسي-إيديولوجي بلور ثقافة و توجها سياسيين ضمن يهما منذ الاستقلال وظيفة مراقبة مراكز القرار و أصبح يحدد القواعد المدبرة للفضاء العام حتى لا تبرز أي قوة مضادة له. وهكذا شكل المخزن قوة اقتصادية كبرى عبر استحواذ العائلات والفئات المتنفذة والقريبة من السلطة السياسية و الإدارية -بما فيها تلك المرتبطة بالاستعمار مباشرة – على جزء أساسي من وسائل الإنتاج سواء منها الخاصة أو العامة و تحكم بذلك في المجتمع بلجوئه إلى نظام الزبونية التقليدية (شبكة الأعيان التي تطورت إلى شبكات معقدة من التحالفات). و تكونت بذلك طبقة رأسمالية مبنية على علاقات تنتمي لمراحل سابقة من تطور الرأسمالية، تقوت بفضل الاستحواذ على جزء متزايد من الفائض الاقتصادي عبر امتصاص موارد الدولة و المؤسسات العمومية وشبه العمومية.
و من تجليات تحكم البنية المخزنية في الاقتصاد الوطني ، خلق وتنمية ما يسمى باقتصاد الريع والذي اتخذ جميع الأشكال: الإعفاء من الضرائب، الحماية الجمركية الانتقائية، تفويت ممتلكات الدولة من ضيعات و أراضي…، توزيع مقالع الرمال و توزيع رخص النقل وغيرها، الاستغلال العشوائي للثروات البحرية الخ…
هذا النمط من الاقتصاد الذي يكرس التبعية و الخضوع، استفادت منه الفئات التي تدور في فلك المخزن والتي ساهمت بدورها في إضعاف المؤسسات والتقليل من الضغوطات الإصلاحية.من جهة أخرى. وساهمت ثقافة المخزن في خلق نظام إداري بيروقراطي مبني على الزبونية والمحسوبية والرشوة وعلى عدم احترام القانون بل و عرقلة أي تشريع قد يمس مصالح هذا النظام الإداري، حتى أصبحت هذه الممارسات شيئا طبيعيا وعاديا وذو اتجاه واحد irréversible) )داخل الإدارة العمومية.
إن توجه المخزن نحو أطراف من صفوف القوى الديموقراطية لتدبير الأزمة و محاولة إنقاذ المغرب من “السكتة القلبية” ظل يعاني من غياب الإرادة السياسية لدى الحاكمين مما جعل مشروع “التناوب التوافقي”- الذي اعتبر مؤشرا لدخول المغرب مرحلة الانتقال الديموقراطي- يخفق أمام التحديات التي كانت تنتظره. عدم توفر الإرادة السياسية الكافية لدى الحاكمين تؤكد أن المخزن مازال متشبثا بروحه مع تغيير في أساليبه و أصبحت استراتيجيته، التي كانت تعتمد على القمع والترهيب والتخويف، مبنية على تطوير قدراته على إدماج واستيعاب نخب جديدة ضامنا بذلك تخليد منظومته.
ب – البورجوازية الوسطى
إن الكيفية التي تحكم بها المخزن في النظام الاقتصادي المغربي منذ بداية الستينات خلخلت التفاعل الطبيعي لطبقات المجتمع وأحجمت من إمكانية تطورها ، خاصة منها البورجوازية الوسطى التي يمكن أن نقسمها إلى صنفين:
* البورجوازية الوسطى التقليدية:
استطاعت هذه الفئة أن تتكيف مع نظام المخزن و استفادت طيلة الستينات ولو نسبيا من نظام الحماية والامتيازات (بونات الشاي والسكر والدقيق والإسمنت الخ) ومن استبدال الواردات. كما استطاعت أن تتجدد و تتوسع جزئيا في بداية السبعينيات مع سياسة المغربة والمشاريع الطموحة التي أقرها المخطط الخماسي الذي تم اعتماده بعد ارتفاع أسعار الفوسفاط آنذاك مما شجع على عصرنة بعض القطاعات خصوصا في ميادين الهندسة و البناء و الأشغال العمومية. إلا أن هذه الفئة لم تستطع تجاوز أشكالها التقليدية للتدبير المبنية على التكيف و الخضوع لهيمنة الإدارة العمومية والمخزن ومبنية أيضا على الأنشطة المضارباتية و التعايش مع القطاع الغير مهيكل والتهريب.لذلك لم تنخرط، في معركة الإصلاح و التحديث الديموقراطي للمؤسسات وتراهن على الحفاظ على الوضع الراهن للمحافظة على مصالحها.
* البورجوازية الوسطى العصرية:
نشأت هذه الفئة في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات وهي فئة ارتبطت بما يسمى بالقطاع العصري والذي يركز على الاستثمار المنتج في قطاعات تنافسية جديدة وذات قيمة مضافة مرتفعة خصوصا في مجالات الصناعة والهندسة والتقنيات الجديدة والإعلاميات، الشيء الذي جعلها تكون أكثر انفتاحا على التقنيات
الحديثة في التسيير و التدبير، مشغولة بهم امتلاك التكنولوجيا المتقدمة، منخرطة بشكل كبير في العمل الجمعوي المهني. تميزت هذه الفئة عن البورجوازية التقليدية بانخراطها في الدفاع عن إصلاحات ملموسة للمناخ الإداري والمؤسساتي للنشاط الاقتصادي ومحاربة الفساد والرشوة كما طالبت بالقيام بإصلاحات في مجالي الإدارة العمومية و القضاء. إلا أن انخراطها في هذه الصيرورة ظل مشوبا بالتردد الناتج أساسا عن عدم استقلاليتها عن البرجوازية التقليدية.
ج-الطبقات الشعبية :
هي الضحية الأولى للسياسات الاقتصادية المتبعة منذ بداية الستينات، ما فتئت هذه الفئات ترى مستوى عيشها يتدهور يوما بعد يوم وهي التي حملت على كاهلها نتائج برامج التقويم الهيكلي من أجل تحقيق التوازنات الاقتصادية. وقدعرفت هذه الطبقات تحولا في مكوناتها، فبعد أن كانت مكونة أساسا من اليد العاملة الصناعية والفلاحية، التحقت بها في عقد الثمانينات مع انطلاق “مسيرة الفضيلة” فئات مستخدمي التجارة و الصناعة وشركات التأمين و الأبناك والصناع التقليديون والتجار الصغار والحرفيون الذين يملكون وسائل إنتاج ضعيفة يستغلونها بأنفسهم أو مستعينين بمستخدم أو متدرج. ظلت الطبقات الشعبية مهمشة ومقصية من الحقل السياسي، بالإضافة إلى أن قيادات المركزيات النقابية لم تعمل على البحث عن موازين قوى تمكن من تلبية مطالب هذه الفئات بل غرقت بدورها في نزاعات سياسوية. وكان من عواقب هذا الإقصاء السياسي، إحساس الطبقات الكادحة بالخيانة وبالعزلة في غياب تحقيق آمالها في التحرر والتطور والظفر بالعيش الكريم وما يصاحبه من تمدرس وتداو وحق في الشغل وتكافؤ في الفرص لأبنائها، مما جعلها تصبح فريسة التوجهات الأصولية.
د-العوامل الخارجية:
لم يعد هناك أي شك في أن العالم أصبح مكانا صغيرا ومندمجا للغاية: التجارة العالمية تتنامى سنة بعد سنة؛ الاستثمارات تخلق شبكات إنتاج على المستوى العالمي والاتفاقيات الدولية تحمل الدعم القانوني اللازم لفضاء اقتصادي موحد. إنها العولمة التي فرضت ضرورات تجارية جديدة تتمحور حول الرفع من حجم المبادلات الخارجية و تضمحل فيها الحواجز الجمركية و الكوتات لتترك المجال للمعايير التنظيمية normes réglementaires) ) كمصادر ممكنة لخلق حواجز في إطار التبادل الحر. بالطبع ستظل هذه المبادلات غير متوازنة وتبقى دائما في صالح الشريك المتوفر على مؤهلات كبرى تجعله يتحكم في علاقة التعاون التي يؤسسها على قواعد تمنحه الامتياز. إن التحديات التي تطرحها العولمة بالنسبة للدول النامية كبيرة وجبارة ومواجهتها أصبحت حيوية لكي تستطيع هذه الدول
الاندراج في النظام الاقتصادي العالمي. والمغرب لا يستثنى من هذه القاعدة، فالتأخير الكبير الذي يعرفه في مجالات التعليم والتكوين المستمر والبحث العلمي و تأهيل المقاولة و التسيير الإداري جعلته يدخل مجال العولمة من النافذة.
3 – خصائص ومميزات الاقتصاد المغربي :
*المميزات العامة
إن تحكم البنية المخزنية في الاقتصاد الوطني منذ الاستقلال واعتمادها على الفئات الاجتماعية الأكثر تخلفا وارتباطا بالبنيات التقليدية وبالاستعمار ومقاومتها للمحاولات التي قامت بها الحركة الوطنية من أجل بناء بعض أسس اقتصاد وطني يتوفر على حد أدنى من مقومات العصر والاستقلالية أديا إلى إنتاج و إعادة إنتاج اقتصاد مغربي معاق يمكن تلخيص خصائصه ومميزاته الجوهرية كالتالي :
أ- التخلف : حيث أن اقتصادنا اقتصاد متخلف عاجز عن تحقيق تنمية مستديمة ذاتية الدينامية، بعمق الفقر، ويجعل المغرب ونحن في بداية الألفية الثالثة يشكو الخصاص والضعف والهشاشة على صعيد البنيات التحتية وبؤس المرافق والخدمات الاجتماعية .
ب- التبعية من موقع دوني : سواء على المستوى التجاري أو التكنولوجي وضعف قدراتنا التفاوضية كما برز ذلك بشكل جلي في اتفاقية التبادل الحر مع الاتحاد الأوروبي وبشكل أفظع في التفاوض حول اتفاقية التبادل الحر مع الولايات المتحدة الأمريكية وتبرز دونية موقفنا التبعي في المكانة التي نحتلها مقارنة مع اقتصاديات منافسة سواء على مستوى جلب الاستثمارات أو الدفاع عن الامتيازات القطاعية ، رغم أن هذه الاقتصاديات لاتملك نفس المقومات التي تتوفر عليها بلادنا.
ج – الـتـفـكـك: حيث أن قطاعاتنا الاقتصادية لا ترتبط ببعضها ولا تتكامل ، بل إن هذا التفكك يسود حتى داخل القطاع الواحد .
ه – الهـشـاشة : إن كل الخصائص التي تمت الإشارة إليها وتفسر وتؤكد الطابع الهش لاقتصادنا ولنسيجنا الإنتاجي ، حيث يبقى معدل النمو ، كما كان عليه الشأن في بداية الاستقلال ، خاضعا لمستوى التساقطات المطرية مثلا ، وتبقى حاجياتنا من بعض المواد الأساسية خاضعة كلية لتقلبات السوق العالمي أو للطوارئ
*المميزات القطاعية
أ – القطاع الفلاحي :
إن القطاع الفلاحي يشكل محركا أساسيا للاقتصاد الوطني ككل ومرتكزا ضروريا للتنمية القروية ومدخلا لمواجهة تحديات العولمة. إلا أن الناتج الداخلي الخام للقطاع الفلاحي بالمغرب ظل يتغير بالتغيرات المناخية والتساقطات المطرية حيث أن سنوات الجفاف تضعف بشكل كبير الناتج الداخلي الخام الفلاحي و بالتالي تؤدي إلى شلل عام للاقتصاد الوطني.
لم يستفد هذا القطاع إلا من 10% من مجموع الاستثمارات مع أنه يبقى المشغل الأساسي في المغرب حيث يشغل 40% من الساكنة النشيطة ويشكل 78% من الشغل في العالم القروي .ويساهم في الناتج الداخلي الخام ما بين 12 و 24 % حسب التقلبات المناخية وتؤثر هذه التقلبات في نفس الوقت وبشكل كبير على الناتج الداخلي الخام. في فترات الجفاف، تجد كل هذه الفئات نفسها في وضعية مادية واجتماعية يرثى لها وتؤثر بالتالي بشكل مباشر على نشاط القطاعات التابعة لها.
اختارت السياسات المخزنية المتبعة منذ عقود تهميش العالم القروي و باتت كل محاولات تنظيم الفلاحين في إطار تعاونيات أو جمعيات خاضعة للسلطات المحلية التي ترخص لمن تشاء من التعاونيات وتفرض من تشاء من أعوانها على رأسها. و هكذا بقي العالم القروي يعاني من تنظيم اجتماعي بدائي هش يطغى عليه نظام الوحدات الإنتاجية العائلية المبنية على اشتغال الأطفال و النساء ويعاني من استمرار الأمية حيث بلغت نسبتها % 67 في العالم القروي و حيث لا تتعدى نسبة المزارعين الذين يتوفرون على مستوى تعليمي يتجاوز الابتدائي سوى %10، في حين 81% من المزارعين هم أميون.
عقدت على سياسة بناء السدود المتبعة منذ أواسط الستينات آمال كبيرة في تطبيق برنامج الري : مليون هكتار، وبالتالي تنمية الإنتاج الفلاحي بالمغرب. إلا أن هذا البرنامج عرف بدوره تعثرا كبيرا، ولم يتم الوصول إلى مليون هكتار مسقية (مع العلم أن هذه المساحة لا تمثل إلا 10.8% من المساحات الصالحة للزراعة) إلا سنة 2000 ؛ بعد أن عرف المغرب سنوات عديدة من الجفاف أثرت؛ إلى جانب التبذير وسوء التدبير لعمليات سقي الأراضي؛ بشكل سلبي على مدخرات السدود من المياه، الشيء الذي جعل من الصعب استغلال الأراضي المسقية بصفة منتظمة. ورغم توالي سنوات الجفاف و انخفاض مدخرات المياه الجوفية ورغم قرب تصنيف المغرب في سنة 2005 كبلد ذو كرب مائي à stress hydrique » pays « فإن المسؤولين لم يقوموا بأي عمل ملموس لترشيد استغلال المياه السقوية كتعميم الري بالتنقيط والبحث عن مصادر أخرى للمياه.
من جهة أخرى تعاني الفلاحة من ثنائية صارخة تتمثل في أن السياسات المتبعة منذ بداية الاستقلال والتي كانت تهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في بعض المواد الأساسية فشلت كليا في الوصول إلى هذا الهدف وظل الإنتاج الفلاحي المغربي يعاني ؛إلى يومنا هذا ؛ من عجز بنيوي في المواد الأساسية مثل الحبوب ، السكر، والزيوت حيث لا تتعدى نسبة الاكتفاء 30 إلى75 % بالنسبة للحبوب (حسب الظروف المناخية) و %50 بالنسبة للسكر.
ب – القطاع الصناعي:
لم تستطع الصناعة المغربية اختراق مجال الصناعة الحديثة و بقيت تقتصر أساسا على الصناعة التحويلية وخاصة تحويل الفوسفاط وتكرير البترول وصناعة الإسمنت. أهمية هذا القطاع في المغرب تتجلى في كونه يشغل حوالي مليون و300 ألف نسمة في المجال الحضري. ويشكل حوالي 31 % من الناتج الداخلي الخام المغربي. إلا أن هذه الصناعات التحويلية ظلت مشتتة ،غير متجانسة تكنولوجيا وغير مندمجة مما جعلها لا تساهم في استيعاب القيمة المضافة في هذا القطاع أو ذاك ولا في مضاعفة الآثار الإيجابية للاستثمار أو لتنمية الإنتاجية أو للتطورات الممكنة على المستوى التكنولوجي في هذا القطاع أو ذاك.مما أدى إلى تنامي الاختناقات في قطاعات التصدير التقليدية التي استندت عليها الرأسمالية التبعية بالمغرب والتي عجزت عن توسيع وتداخل البنية الإنتاجية واكتساحها لمجالات عصرية جديدة أكثر قدرة على الانصهار في صيرورة التنافس الدولي؛ مما ساهم بجانب ضعف الصادرات الفلاحية في تدهور العجز التجاري المغربي والذي انتقل من ناقص 2.4 مليار دولار في سنة 1999 إلى ناقص 5.4 مليار دولار سنة 2003.
على المستوى الداخلي أصبح القطاع الصناعي المغربي يواجه منذ سنة 2000 انفتاح الحدود بعد اتفاق التبادل الحر المبروم مع الاتحاد الأوروبي وما نتج عنها من إغراق للسوق المحلي بسلع ذات جودة عالية و بأثمنة مناسبة مما ساهم في تعرية واقع المقاولة المغربية و ضعف تنافسيتها والتي ترتبط أساسا ب :
ضيق السوق الداخلي و ضعف القوة الشرائية (30.5 مليون مغربي لم يتجاوز معدل الدخل السنوي للفردسنة2001 إلا 1190 دولار) ، ضعف ثابت للتجهيزات التحتية العمومية من نقل وطرق وكهربة و بقع أرضية الخ، انحراف جبائي حيث تتعرض الصناعة لجبائية مرتفعة في حين تبقى الفلاحة معفية من الضرائب. ينضاف إلى كل هذا، الإطار القانوني العام الذي يظهر جليا أنه مجحف ومضر للتنمية الاقتصادية ومعيق حقيقي لتأهيل المقاولة و الذي ما فتئت قوى اليسار تندد به معتبرة أن نمط اشتغال العدالة في المغرب لا يضمن الأمن القانوني الكافي للمقاولات والأشخاص. وكانت قوى اليسار هي السباقة لدعم فتح أوراش القوانين المنظمة للعلاقات بين الفاعلين الاقتصاديين كمدونة الشغل و قانون المنافسة وقانون الشركات المجهولة الإسم.
ج-القطاع السياحي
رغم أن هذا القطاع حظي بالأولوية في السياسة الرسمية المتبعة حتى الآن فإن النتائج ظلت ضعيفة بالنظر للدعم الذي يحظى به و بالنظر لرهاناته الاقتصادية حيث يمثل المنتوج السياحي حوالي 7.8 % من الناتج الداخلي الخام ويعد ثالث مصدر للعملة الصعبة . فلازال المغرب يعرف أضعف نسب السياح الأجانب الذين يعاودون زيارته ولازال السياح الأوروبيون يشكلون العمود الفقري للسياحة الأجنبية وخصوصا السياح الفرنسيون الذين يمثلون 41% من الزوار الأوروبيون للمغرب. هذا الاقتصار على السوق الأوروبية لجلب السياح يدل على غياب استراتيجية حقيقية لتنمية القطاع السياحي بالبلاد. ويبقى مخطط لازوردي « le plan azur » المعلن عنه في يناير 2001 والذي يهدف إلى تحقيق 10 مليون سائح في أفق سنة 2010 متوقفا على حل الإشكاليات التي يعاني منها القطاع.
د – القطاع غير المهيكل :
من مظاهر الأزمة البنيوية التي يعرفها الاقتصاد المغربي هو تنامي القطاع الغير المهيكل وخصوصا في السنوات العشر الأخيرة حيث أصبح هذا القطاع بمثابة نمط إنتاج سوسيو-اقتصادي منظم ذاتيا، منفلت من أي مراقبة للدولة. فتنامت جميع شعب القطاع غير المهيكل سواء منها الشرعية ( الأنشطة المنتجة الغير المصرح بها)، أو غير الشرعية من تهريب، مخدرات وعهارة. وأصبحنا نرى العديد من المواطنين يمارسون تجارة صغيرة أو يحترفون مهنة بسيطة من أجل الحصول على لقمة العيش لكنها تبقى لقمة غير قارة مع غياب أي تغطية اجتماعية.
إن أهمية القطاع الغير مهيكل المنتج تتجلى في كون 21 % من السكان يرتبط دخلهم بهذا النشاط الذي يتكون من أزيد من مليون ومائتي ألف وحدة إنتاجية غير مهيكلة (غير فلاحية)، يوجد أغلبها في المدن وتشتغل أساسا بالتجارة وإصلاح الآلات وبعض الصناعات الخفيفة . وقد قدر رقم معاملات هذه الوحدات سنة 2000 ب 166.35 مليار درهم. لاشك أن السعة التي اتخذها هذا القطاع تضر كثيرا بتنمية الاقتصاد الوطني، لأنه يبقى نمط إنتاج تسليكي غير مؤطر وغير قابل للتأهيل و التطوير و لا يحقق للمشتغلين فيه الحد الأدنى من العيش الكريم والمتواصل، بالإضافة أنه يشكل عرقلة حقيقية لتأهيل المقاولة المغربية وخصوصا الصغرى والمتوسطة بدخوله معها في منافسة غير متساوية وغير شريفة
4- السياسة الاقتصادية للدولة المغربية :
قد يكون من الصعب الحديث عن سياسة اقتصادية للدولة المغربية بمعنى استراتيجية ممتدة في الزمان ، تهدف إلى بلوغ الاقتصاد المغربي لأهداف مسطرة على مستوى النمو والقيمة المضافة وعناصر التنافسية والخيارات القطاعية. من الأكيد، أن الدولة استطاعت توسيع القاعدة الاقتصادية للفئات المتنفذة، لكنها ظلت عاجزة مع ذلك على بناء طبقة مقاولاتية بالمعنى العصري للكلمة وعلى بناء نموذج ناجح اقتصاديا ولو على صعيد منتوج أو صناعة ما. بل يمكن القول، أنه باستثناء سياسة تشييد السدود والتي لم تستطع حماية المغرب من عواقب الجفاف ومن الندرة البنيوية للمياه ، فإن كافة أوجه السياسة الاقتصادية اتسمت بالسطحية والتقلب.
وباستثناء لحظة قصيرة جدا بعد ارتفاع أسعار الفوسفاط في منتصف السبعينات ، يمكن القول بأن السياسة الاقتصادية للدولة لم تعرف أية مبادرة إرادية لخلق نمو قار ومرتفع واكتفت بالتدبير المحا سباتي الضيق للميزانية.
وهكذا ومنذ بداية الثمانينات، ورغم الحديث الكبير والمتواتر عن التقويم الهيكلي لم تعرف الدولة إلا تدبير الحفاظ على التوازنات المالية الكبرى بالتشدد في الحفاظ على العجز في الميزانية في حدود 3 في المائة ومحاولة التحكم في التضخم وذلك على حساب الاستثمار العمومي، حيث أن جميع الحكومات المتعاقبة ظلت عاجزة التأثير في اتجاه تخفيض ميزانية التسيير أو مستوى الأجور العمومية التي تتراوح نسبتها 13 في المائة من الناتج الداخلي الخام، كما أن معدل نسبة النمو الاقتصادي في السبعينيات الذي بلغ 5.6 % ما فتئ يتدهور في العقدين المواليين حيث انخفض في الثمانينيات إلى 3.6 % وفي التسعينيات كذلك ليصل إلى 2.4 %.
هكذا لم تستطع الدولة أن تؤثر على بنية النظام الجبائى الجائر الذي يجعل موارد الدولة تعتمد بالأساس على الضرائب الغير مباشرة وبالخصوص تلك الموجهة للاستهلاك (الضريبة على القيمة المضافة و الضريبة الداخلية على الاستهلاك TIC، وعلى الضرائب المفروضة على المأجورين ( الضريبة العامة على الدخل ) و على الرأسمال المنتج ( الضريبة على الشركات ).
ويمكن أن نشخص غياب سياسة اقتصادية فعلية وتوافق الاختيارات الاقتصادية الرسمية في القضايا التالية :
تدبير الميزانية : أصبحت الإكراهات الموازناتية من قبيل العجز ونسبة التضخم أهدافا في حد ذاتها لسياسة تدبير الميزانية التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة ، رغم أن هذا التشبث الدوغمائي المحافظ لم يفلح في خلخلة هيكل الميزانية ، بل أنه ساهم في تخلف الخدمات الاجتماعية وضعف وتيرة الاستثمار العمومي على مستوى تشييد البنيات الأساسية الضرورية للاقتصاد الوطني ، بل إن تجارب الدول تظهر أن تحقيق التوازنات والتحكم في التضخم يمكن أن يتعايش مع تخلخل خطير
للتوازنات الاقتصادية والاجتماعية ومع العطالة، فالمغرب الذي لايتجاوز العجز رسميا 3% ولا يتجاوز التضخم رسميا 1.5% يعرف في الحقيقة نسبة 20 % من البطالة و مستوى تشغيل طاقات الإنتاج الصناعية لا تتعدى في المعدل 60 %.
بل إننا يمكن أن نقول بأن الميزانية تعكس في الحقيقة ادخارا سلبيا تخفيه واردات الخوصصة .
تدبير المديونية: تفتخر الدوائر الرسمية بنجاح الحكومة في تدبير المديونية وتخفيض مستوى الدين الخارجي بنسبة مهمة. بل وتحويلها لجزء هام من هذه الديون إلى استثمارات ونجاحها في ما سمي بالتدبير الديناميكي للمديونية عبر التقليص من الديون ذات التكلفة العالية. وإذا كان من المشروع الاعتراف للحكومات المتعاقبة بهذه الإنجازات والتحسن النسبي للمغرب عند المؤسسات المالية الدولية المفترض منها على وجه الخصوص ، فإن ذلك لا يمكنه أن يحجب حقيقة استقرار الدين في مستواه مع تحول الثقل إلى المديونية الداخلية في عملية تحول جزءا هاما من الموارد الداخلية التي كان يمكن أن توجه لتمويل الاقتصاد الوطني.
تمويل الاقتصاد الوطني: لم تنجح الدولة رغم توفرها على الأدوات الرسمية لذلك ، في توفير أداوت تمويل قارة و فعالة ومرنة للاقتصاد الوطني .حيث أن القطاع المالي المغربي ، ورغم ” سلطة ” البنك المركزي وأدوات تدخله ، لا يلعب الدور المنتظر منه في توفير التمويلات اللازمة للنشاط الاقتصادي بل أن نسبة الفائدة وهامش الربح وغياب روح المغامرة ووضعية شبه الاحتكار التي يعرفها وتجاهل بعض مكوناته المؤثرة حتى بمقتضيات القانون البنكي نفسه جعله غير مواكب بالمرة لمتطلبات تمويل الاقتصاد الوطني .
كما أن الغموض الذي يلف إعادة التشكل التي يعيشها منذ أن استحوذت مجموعة ” أونا ” المرتبطة بالأسرة الملكية على الشركة الوطنية للاستثمار وعملية احتواء مجموعة بنك الوفاء، لايساهم في توفير الشفافية والثقة المطلوب توفيرها لتشجيع الاستثمار و المبادلات الاقتصادية .
وفي هذا الإطار ، يكتسي الحديث عن البورصة طابعا فولكلوريا حين تعرف حجم المبادلات الضعيف قياسا لحجم النشاط الاقتصادي الوطني وحجم مجموعة أو اثنتين في مبادلات البورصة .
التوفير والاستثمار: إن نسبة الاستثمار ( le taux d’investissement ) الذي يحدد قوة النمو الاقتصادي ( le potentiel de croissance )- لا زالت جد ضعيفة في المغرب. فالإحصائيات الرسمية تظهر أن هذه النسبة ظلت جامدة منذ أكثر من 20 سنة في حدود 22 في المائة ( بمعدل 22.3 % بين 1983 و 1992 و بمعدل 22.2 % بين 1993 و 2002 ). في حين تبين عديد من الدراسات الاقتصادية الرياضية ( Etudes Econométriques) بما فيها تلك المنجزة من طرف البنك الدولي أن الدفع بنسبة النمو الاقتصادي إلى مستوى قادر على التخفيف
من ضغط البطالة يتطلب الرفع من نسبة الاستثمار إلى ما يقارب 30 % . و تبقى طموحات وزارة المالية من خلال تقريرها الاقتصادي والمالي الأخير الملحق بقانون المالية لسنة 2004 محدودة في الوصول في أفق سنة 2006 إلى نسبة 26 في المائة فقط. إن ضعف نسبة الاستثمار مرتبط بضعف التوفير الناتج أساسا عن ضعف المداخيل و عن توزيع غير عادل للثروات. فنسبة التوفير الداخلي تبقى في المتوسط أقل من 18 في المائة رغم ارتفاعها في النصف الثاني من التسعينيات ورغم ارتفاع نسبة التوفير الوطني الخام خلال السنوات الأخيرة بفضل المغاربة المقيمين بالخارج وبعض عمليات الخوصصة . إلا أن هذا “التوفير الخارجي” لا يساهم إلا بجزء قليل في عمليات الاستثمار .
من جهة أخرى، ظلت استثمارات القطاع الخاص الذي كان يعول عليه في تعويض تخفيض استثمارات الدولة, خصوصا بعد تطبيق سياسة التقويم الهيكلي، ضعيفة لن تشكل؛ على سبيل المثال وحسب توقعات قانون المالية لسنة 2004؛ إلا الثلث من نسبة الاستثمار المرتقبة لهذه السنة والمحددة في 24.2 ص %.
في الخوصصة: تندرج عمليات الخوصصة التي أقدمت عليها الدولة في إطار استراتيجية اقتصادية وصناعية متكاملة بل إنها خضعت من جهة للدوغمائية الليبرالية السائدة الداعية والضاغطة من أجل تخلي الدولة عن أي دور اقتصادي مباشر ومن جهة للحاجة إلى موارد لتمويل الميزانية العمومية . فهكذا على مستوى الأسلوب ، تميزت مساطر التفويت بالغموض شبه التام ، وغياب مساطر قبلية واضحة وشفافة .
كما أن إبعاد جزء من موارد الخوصصة من مسؤولية الحكومة عبر صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية يؤكد ضعف أدوات السياسة الاقتصادية للدولة .
بالإضافة إلى أن وجود مؤسسات عمومية استراتيجية خارج سلطة ومراقبة الحكومة والبرلمان كما هو الشأن بالنسبة للمكتب الشريف للفوسفاط ، مثلا ، والعلاقات المحا رمية ( Incestueuses) بين بعض المؤسسات الخاصة المرتبطة بالدولة والمخزن والقطاع العام ، يعكسان تخلف النظام الاقتصادي المغربي وتأثير تخلف النظام المؤسساتي والسياسي على اقتصادنا الوطني .
في مهام التقنين والضبط والمراقبة: باستثناء بعض غلاة الأصوليين الليبراليين يجمع الكل على حيوية قيام الدولة بمهام التقنين والضبط والمراقبة خصوصا مع نزوعها نحو التخلي عن عدد من الوظائف الاقتصادية ومع تعدد المتدخلين في النشاط الاقتصادي وتعقده .
لكن الدولة المغربية بقيت متخلفة على هذا المستوى نفسه ، ودون الحديث عن ” الحرج ” المفهوم من طرف أجهزة الدولة المكلفة بالمراقبة والتقنين حين يتعلق الأمر بمصالح الشخصيات العامة والخاصة النافذة ، لابد من الإشارة إلى الصراع الذي نشب بين جزء من الحكومة والوكالة الوطنية لتقنين المواصلات في خضم عملية تفويت جزء من القطاع العمومي للمواصلات السلكية واللاسلكية والاستقبال البارد للهيأة العليا للمجال السمعي البصري التي أحدثت بعد تحرير هذا المجال لصالح إذاعة ” ساوى ” .
بل إن تقاعس عدد من أجهزة الدولة عن القيام بمهامها يجعلها ضالعة في فضائح نهب وتبذير المال العام وموضع اتهام صريح في فضائح صناديق القرض العقاري والسياحي والفلاحي ، سواء تعلق الأمر ببنك المغرب أو بالمفتشية العامة للمالية أو لممثلي الحكومة داخل وعلى راس مجالس إدارات هذه المؤسسات.
إن الخلاصة الأهم لتحليل السياسة الاقتصادية الرسمية تبقى هي افتقار الدولة المغربية لأي مشروع اقتصادي وغياب استراتيجية اقتصادية وصناعية عامة وقطاعية على المستويين المتوسط والبعيد .
ورغم أن الحكومة خلقت لجنة وطنية لتأهيل الاقتصاد الوطني فإننا ننتظر استراتيجية وطنية في هذا المجال ، خصوصا مع انخراط بلادنا في اتفاقية تبادل حر مع الولايات المتحدة الأمريكية يجهل الرأي العام مقتضياتها .
وفي هذا الإطار من الضرورة تسجيل التناقض بين الاهتمام الحكومي الرسمي بتنافسية الاقتصاد المغربي وتشجيع الصادرات مع سياسة الصرف التي تخدم الحفاظ على التوازن ومقاومة آثار تقلبات الدولار أكثر من تنمية الصادرات ، ومع غياب منظومة متكاملة ومنسجمة ومبدعة لتشجيع الصادرات.
إن تحليلنا لمختلف جوانب التدخل الاقتصادي يؤكد إفلاس الاختيارات الاقتصادية الرسمية السائدة منذ بداية الستينيات كوجه آخر للأزمة التي يعيشها النظام المغربي سواء على صعيد الاختيارات أو على صعيد المؤسسات أو على صعيد الآليات .
إن هذا الإفلاس له أثر اجتماعي خطير ساهم ويساهم في تعميق الشروخ الاجتماعية والفضائية وفي تكريس تهميش مناطق واسعة من وطننا وفئات واسعة من مواطنينا عبر التخلف الفظيع للخدمات الاجتماعية والمرافق العمومية والبنيات الأساسية .
ويتجلى هذا الأثر في تهريب أدوار الدولة في إعادة توزيع الدخل وتحقيق التضامن الاجتماعي لصالح بعض المستفيدين ، كما هو الشأن بالنسبة لسياسة دعم بعض المواد الأساسية عبر صندوق المقاصة والتي تحتاج إلى التحقيق لمعرفة الأسلاك والوسائل التي قادت إلى تحويلها لخدمة مصالح بعض الوسطاء ، دون أن يكون لها أثر كبير على الأوضاع المعيشية واستهلاك الفئات الشعبية الواسعة ، رغم أن سياسة الدعم هذه استفادت لتمويلها من الضرائب المفروضة على المواطنين.
5- الآثار الاجتماعية للسياسات الاقتصادية:
إن الأزمة البنيوية الشاملة التي تعرفها بلادنا تكتسي في الجانب الاجتماعي كل أبعادها المأساوية ، وتكشف بشكل جلي عن فشل السياسات الاقتصادية المتوالية منذ بداية الستينات إلى الآن بما فيها تلك المقتصرة على المحور المالي والمعتمدة على المؤشرات الماكرو-الاقتصادية في غياب أي استراتيجية تنمية اجتماعية فعالة.
إن ظهور و تفشي عدد من الأمراض الاجتماعية، ومظاهر التفكك، والظواهر الخطيرة كالإجرام والتهريب والمخدرات وسط شرائح واسعة من المجتمع المغربي وشبابه يظهر مدى قصر نظر أولئك الذين يدافعون عن التوازنات المالية والذين يقيدون وثيرة الإصلاح بوهم الاستقرار في الوقت الذي نرى فيه أن هذه الأمراض هي التي تهدد استقرار وأمن وطننا.
البطالة
الإحصائيات تظهر أن سوق الشغل في المغرب يواجه معضلة تنامي اليد العاملة وندرة لفرص الشغل ينتج عنها تفاقم في البطالة: فإن عدد السكان النشيطين (15 سنة وما فوق) يقدر ب 10.902.000 نسمة. عدد العاطلين يقدر ب 1.300.000 مما يعطي نسبة للبطالة تقدر ب 12% . إلا أن هذه النسبة لا تعكس البعد الحقيقي لتفشي البطالة في بلدنا حيث أنه في العالم القروي نجد أن نسبة البطالة منخفضة مقارنة مع مثيلتها في المدن و لا تتجاوز نسبة 5 % كمعدل سنوي وذلك راجع لمفهوم “العاطل” المستعمل في الإحصائيات حيث يعتبر أن أي شخص نشيط حتى وأن لم يتقاضى أجرا فهو غير عاطل وبالتالي و بالنظر لنظام الشغل السائد في العالم القروي والمعتمد على الاستغلال العائلي فإن عددا كبيرا من الأفراد لا يدخلون في عداد العاطلين. وهكذا فإن من بين 426.000 منصب شغل التي تم خلقها على المستوى الوطني سنة 2003؛ 37 % فقط تقاضى أصحابها أجرا، منها 150.000 في المدن أي أن خلق مناصب الشغل المتقاضى عليها في العالم القروي تبقى شبه منعدمة . و في المدن قدر عدد العاطلين سنة 2002 ب 1.125.000 شخص أي ما يفوق 80 % من العاطلين وما يمثل زيادة في نسبة البطالة تقدر ب 7 %مقارنة مع سنة 2002. مما ينتج عنه نسبة البطالة في العالم الحضري تقدر ب %19.3.
وتمس البطالة الشباب بالأساس حيث تصل نسبة العاطلين الذين لا يتجاوز سنهم 35 سنة 84% .وفي المدن 50 % من العاطلين يتراوح عمرهم بين 25 و 34 سنة. ويتميز سوق الشغل المغربي ب بارتفاع نسبة البطالة عند الحاصلين على الشواهد العليا. أما تحليل البطالة حسب المدة فإنه يبين أن العاطلين لمدة طويلة (أكثر من سنة) يمثلون حوالي ثلاثة أرباع العاطلين في المدن.
الفقر
إن تقدير عتبة الفقر حسب المقاربة النقدية لسنة 1998/1999 يصل إلى 3922 درهم للسنة وللفرد في الوسط الحضري و3037 درهم في العالم القروي، وعليه بلغ عدد الساكنة الفقيرة في المغرب سنة 1999 5.3 مليون نسمة يوجد أغلبها في العالم القروي (3.5 مليون) .
وهكذا تتجاوز نسبة الفقر في البادية ضعف هذه النسبة في الحاضرة (وتقدر على التوالي ب 27.2 % و 12% رغم أنه لم تتجاوز نسبة السكان القرويين سنة 1999 46% من مجموع السكان نظرا للهجرة القروية التي عرفها المغرب خلال التسعينيات والتي أدت إلى انخفاض عدد سكان العالم القروي ب1 %كل سنة متزامنة مع ارتفاع نسبة الفقر في البادية التي بلغت 5% سنويا. وعلى هذا المستوى ، يلاحظ ارتفاع نسبة الفقر في العالم القروي على ما هي عليه في الحاضرة في جميع مناطق المغرب دون استثناء، وتخص هذه النسبة الأطفال الذين تقل أعمارهم على 15 سنة حيث يمثلون 43 % من الفقراء .
إن الفقر في المغرب هو نتيجة اختيارات سياسية متوالية استفادت منها فئة قليلة متنفذة في السلطة وأدت إلى تفاقم الشروخ الاجتماعية بين العالم القروي والحاضرة وبين الميسورين والطبقات الكادحة.
المؤشرات الاجتماعية
إن الوضعية التي يوجد عليها السكن والصحة وكل الجوانب الاجتماعية تتناقض بشكل كبير مع كل المقاييس الدنيا التي تضعها المؤسسات الدولية والتي حاولت كل الحكومات المغربية أن تطبق تعاليمها. ويمكن تحديد أهم سمات التردي على المستوى الاجتماعي كالتالي :
ضعف مؤشرات التنمية البشرية :
حسب تقرير برنامج الأمم المتحدة للتنمية(PNUD) لسنة 2003 فإن “مؤشر التنمية البشرية” الذي يضم أربع متغيرات: العمر المتوقع عند الميلاد ليمثل بعد الحياة الطويلة والصحية؛ ونسبة البالغين الملمين بالقراءة والكتابة ومجموع نسب الالتحاق بمستويات التعليم الابتدائية والثانوية والجامعية ليمثلا بعد المعرفة؛ والناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للفرد (مقاسا بالدولار الأمريكي) ليكون مؤشرا بديلا يبين الموارد المطلوبة لمستوى معيشي لائق ؛لا يتجاوز هذا المؤشر في المغرب 0.602 في حين يصل المعدل الجهوي (الدول العربية) لهذا المؤشر 0.734 ليحتل بذلك المغرب الرتبة 126 من بين 175 دولة . من المؤكد أن ضعف هذا المؤشر ما هو إلا نتيجة ل: عجز النظام التعليمي ككل و التعليم العالي والبحث العلمي عن المساهمة في التطور الذي تنشده البلاد.
تدني مستوى التغطية الصحية بالمطلق وقياسا إلى بلدان تصنف عادة في نفس في مستوى المغرب حيث تتجاوز على سبيل المثال نسبة الساكنة التي لا تتوفر على خدمات صحية 38 % (1993) و42 % لا تتوفر على قنوات التطهير (1998) و 3% لا تتوفر على الماء الصالح للشرب (1998). كما أن المغرب يحتل الصف 15 بين الدول العربية فيما يخص ملائمة و إنصاف نظامه الصحي العمومي. (تقرير 2003 ( PNUD.
- العجز المستديم في توفير الخدمات الاجتماعية و الثقافية الضرورية
- بروز و استفحال الظواهر المرضية وتردي القيم الاجتماعية من انتشار للبغاء والمخدرات والتهريب والانحراف بكل أنواعه.
- اتساع حزام الفقر والتهميش ليطال فئات واسعة من الجماهير الشعبية.
توازن هش بين الموارد البشرية والموارد الطبيعية :
في الوقت الذي بينت فيه التجارب أن ليس هناك تنمية مستدامة بدون مطابقة بين الموارد الطبيعية والبشرية نجد في المغرب الذي مازال يعاني من ضغط ديموغرافي قوي أن التوازن بين هذه الموارد أصبح هشا أكثر من أي وقت مضى وان وضعية البيئة والموارد الطبيعية للبلاد أصبحت مقلقة للغاية كما تبينه بعض المعطيات الرسمية التالية:
- الأراضي الزراعية : ما فتئت المساحة المزروعة /للفرد تنخفض من 0.732 هكتار /للفرد سنة 1960 إلى 0.326 هكتار /للفرد سنة 2000 ومن المتوقع أن لا تتجاوز في حدود 2020 0.224 هكتار للفرد: الأراضي تتعرض لعوامل التعرية حيث تقدر المساحات المتعرضة للتعرية ب 5.5 مليون هكتار ( 60 في المائة من المساحة الزراعية النافعة ) كما أن الملوحة بدأت تخص 500000 هكتار و المغرب يفقد سنويا حوالي 22000 هكتار من الأراضي الزراعية في مناطق ذات إمكانيات فلاحية حسنة بسبب التمدين و الاستغلال المفرط للأراضي واستعمال تقنيات فلاحية غير ملائمة.
- التشجير: لا تتجاوز المساحات المشجرة في المغرب أكثر من 8 في المائة من مجموع التراب الوطني وهي نسبة ضعيفة بالمقارنة مع النسبة المحددة عموما بين 15 و 20 في المائة والتي من شأنها أن تضمن توازنا بيئيا مرضيا. بالإضافة إلى أن المغرب يفقد سنويا ما معدله 31000 هكتار من الغابات.
- الماء: بالإضافة إلى أن هذه الثروة الطبيعية غير موزعة بشكل متوازن على التراب الوطني فهي مورد يقل يوما بعد يوم. كمية الماء لكل فرد في التسعينيات كانت مقدرة في 830 م3 ، وهذه الكمية من المرتقب أن تنخفض إلى 460م3 في أفق 2010 ثم إلى 411 م3 في أفق 2020. زد على ذلك أن أغلبية الوديان و المياه الجوفية تتعرض لتلوث خطير من جراء النفايات الصناعية ، الفلاحية(المواد الكيماوية المستعملة)، الطبية والمنزلية…
إن هذه الوضعية المتدهورة لمواردنا الطبيعية، والتي يتم إرجاعها عادة إلى فقر السكان وعدم وعيهم، تتطلب منا أن ندرج نضالنا من أجل بيئة سليمة في إطار نضالنا من أجل محاربة الفقر و الفوارق الاجتماعية.
6–البرنامج الاقتصادي لحزب اليسار الاشتراكي الموحد
يعتبر حزب اليسار الاشتراكي الموحد أن الارتباط الوثيق بين الإصلاح المؤسساتي والسياسي وإصلاح الوضع الاقتصادي يعني في العمق أن توفر الإرادة السياسية لبناء توافق وطني متعاقد عليه من أجل إصلاح وتحديث مؤسسات الدولة تتجلى في إقرار برنامج لتحديث وإصلاح بنيات الاقتصاد الوطني والقضاء على نظام الريع والامتيازات وكافة المعيقات البنيوية التي تحجز تقدم الاقتصاد المغربي وتنتج وتعيد إنتاج التخلف وهشاشة الاقتصاد الوطني وتفككه وضعف تنافسيته ومناعته .
ولا بد في هذا المجال ، من التذكير بحقيقة بديهية وهي أن التخلف حالة شاملة تطال كافة المؤسسات والبنيات وأن الخروج من التخلف يعني خروج كافة الفئات والمؤسسات السياسية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية من تخلفها واستمرارها رهينة مصالح ضيقة ومتخلفة .
إن الانتقال الديمقراطي يعني أن تصبح كافة البنيات والمؤسسات في خدمة المصالح المشتركة لغالبية مكونات المجتمع . بهذا المعنى يصبح التوافق الوطني المنشود بين مكونات المجتمع المغربي أي بين المؤسسة الملكية والقوى الحية في البلاد بين الطبقات والفئات الاجتماعية تعاقدا من أجل سيرورة سلسة لتحديث وإصلاح كافة البنيات والمؤسسات وعلى رأسها المؤسسات الدستورية والإدارة والقضاء بهدف توجيهها لخدمة تنمية الاقتصاد المغربي كما يخدم مصالح أوسع فئات المجتمع المغربي وينمي إنتاجيته وتنافسيته ومناعته في مواجهة تحديات العولمة ويضاعف قيمته المضافة محليا وخارجيا .
والبديهي أن التوافق الوطني بهذه الأبعاد يعني القضاء على اقتصاد الريع والامتيازات باعتباره شكلا متخلفا لاستحواذ فئة قليلة متخلفة على الفائض الاقتصادي الوطني، كما يعني توجيه الأدوات والوسائل والموارد والإمكانيات العمومية لخدمة المصلحة العامة أو مصلحة الغالبية بدل توجيهها لخدمة مصالح الأقلية .
إن حزب اليسار الاشتراكي الموحد يعتبر أن برنامجا وطنيا لتأهيل الاقتصاد الوطني اختيار واقعي ممكن الإنجاز يستجيب لمصالح الأطراف الأساسية في المجتمع المغربي .
إن البرنامج الوطني لتأهيل الاقتصاد الوطني الذي نشير إلى محاوره الرئيسية في هذه الوثيقة ، يتجاوب مع الرغبة الملحة من طرف المؤسسة الملكية في تجنيب المغرب خطر سكتة قلبية تهدده رسميا منذ بداية العقد الماضي ويجيب على طموح الرأسمال الوطني إلى تنمية قدراته التنافسية ومناعته أمام تحديات الانفتاح التام المفروض على اقتصادنا الوطني .
ويستجيب أيضا لتطلعات أوسع الفئات الشعبية المتطلعة إلى تحقيق مقومات العيش الكريم المستقر والقضاء على الفساد وتبذير الموارد العمومية وإهدار الطاقات وتعطيلها وتدمير البيئة .
إن برنامج الإنقاذ والتأهيل الاقتصادي كما يطرح حزب اليسار الاشتراكي الموحد يشكل أرضية تحقق التوافق المطلوب من أجل تقدم المغرب بين الدولة والمجتمع ، بين الإدارة والمنتجين والمواطنين بشكل عام ، بين القطاع العام والقطاع الخاص ، بين المقاولة ومحيطها ، بين الرأسمال المنتج والعمل ، بين التربية والتكوين والإنتاج ، بين النشاط الإنساني والمجال توافق لا يلغي تناقض المصالح وتباين الأولويات.
و ينبني البرنامج الاقتصادي لحزب اليسار الاشتراكي الموحد على الأسس الرئيسية التالية:
أولا : سيادة القانون وسموه وسريان مفعول القوانين التي تنظم وتؤطر النشاط الاقتصادي على الجميع مهما كان موقعهم ونفوذهم وجاههم وقربهم أو بعدهم عن مراكز السلطة والقرار .
ثانيا : اعتماد مبدأ المحاسبة على كافة المسؤوليات المتعلقة بتدبير أو مراقبة النشاط الاقتصادي وعلى الخصوص ، خضوع الحكومة وكافة دواليبها لمراقبة ومحاسبة الجهاز التشريعي والقضائي ، وخضوع الإدارة العمومية وإدارة المؤسسات والصناديق العمومية لتوجيه وسلطة الجهاز التنفيذي وتمكين المواطنين من وسائل متابعة ومراقبة القرار العمومي ومن آليات التظلم والمساءلة .
ثالثا : احترام مبدأ الفصل التام والواضح بين مهام التعيين في المسؤوليات العمومية التي قد ترتبط باعتبارات سيادية وما بين وظائف وصلاحيات التدبير من جهة ومهام وصلاحيات المراقبة ومن جهة ثانية ومهام وصلاحيات التقنين والتنظيم من جهة ثالثة حتى يحفظ حق كل المؤسسات الدستورية في ممارسة صلاحياتها ويحفظ حق المواطنين في متابعة تدبير الشأن العام .
رابعا : احترام مبدأ سمو المصلحة العامة و متطلباتها على ماعداها من المصالح والامتيازات الفئوية ، بما يعني توجيه الأدوات والموارد والمؤسسات العمومية لخدمة الصالح العام المشترك كما تحدده المؤسسات التي تشرع باسم المواطنين أو تلك التي تنفذ اختياراتهم سواء على مستوى الإنجاز أو التقنين أو المراقبة .
ويمكن تحديد المحاور الرئيسية للبرنامج الاقتصادي لحزب اليسار الاشتراكي الموحد كالتالي :
أ ) إعادة الاعتبار لدور الدولة كموجه استراتيجي للاقتصاد الوطني :
حيث تحدد مؤسسات الدولة الأولويات الوطنية والقطاعية والمجالية وتسطر استراتيجية التنمية وتتابع تنفيذها. .إن قيام الدولة بمسؤولية الموجه الإستراتيجي يتطلب القطع مع منطق المحافظة على التوازنات المالية لصالح سياسة اقتصادية إرادية تهدف إلى تحقيق أهداف النهوض بالاقتصاد الوطني والمحافظة على مقوماته ، تنمية قدراته التنافسية والحفاظ على التوازنات الاجتماعية والقيام بمهام توفير المرافق والبنيات التحتية .
وفي هذا الإطار من اللازم أن تخضع كافة مؤسسات القطاع العام لسلطة الحكومة تحت مراقبة البرلمان.
ب – نحو بناء اقتصاد مختلط مبني على سياسة التعاقد:
إن المفهوم الشامل للتنمية الاقتصادية والاجتماعية يجب أن يقوم على أسس جديدة محورها وهدفها الإنسان المغربي في إطار اقتصاد وطني له من القدرة و المناعة ما يجعله مؤهلا لتجديد هياكله وعصرنتها وضمان إمكانية التفاعل مع التحولات السريعة التي يعرفها العالم .
على هذا المستوى يكون لكل من الدولة والقطاع الخاص دورهما الأساسي في تنفيذ البرامج التنموية المطروحة على بلادنا ، على أن يكون للدولة دورا مركزيا في مسألة التنمية الشاملة باعتبارها محركا استراتيجيا للاقتصاد الوطني وضمانا للتوازنات الاجتماعية والجهوية والقطاعية. و يمكن تحديد دور الدولة الاقتصادي بشكل أدق في :
- تسهيل تحديث و تجديد البنيات الإنتاجية عبر إعادة تنظيم و توحيد بنيات الملكية العقارية وتنظيم وتحديث القطاعات الإنتاجية وتنظيم قطاعات التجارة والخدمات للقضاء على المضاربة والاحتكار والتهريب.
- إعادة هيكلة النسيج الإنتاجي عبر إعادة النظر في الأولويات القطاعية وذلك بتشجيع الصناعات المتجهة نحو امتلاك التكنولوجيا بهدف تنمية القيمة المضافة محليا وسن سياسة صناعية تستهدف تقوية وتكثيف الروابط العضوية بين القطاعات المختلفة وتعتمد على توفر المغرب على العنصر البشري كرافعة استراتيجية لتنمية الاقتصاد .
من جانب آخر، يجب اعتبار المقاولة الخاصة كإحدى الركائز الأساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. مما يفترض التعامل معها كخلية تتضافر الجهود لتأهيلها وعصرنتها والرفع من إنتاجيتها مما يتطلب :
- خلق تجارب نموذجية على مستوى الجهات الاقتصادية عبر إنشاء مجموعات صناعية–عليمة تتضافر فيها جهود المقاولة الخاصة بالاستثمار العمومي ومراكز البحث العلمي و بعلاقة مع المؤسسات التمثيلية المحلية
- توفير الشروط الملائمة للمستثمرين وذلك من خلال تبسيط المساطر الإدارية ، واتخاذ تدابير جبائية مشجعة للاستثمارات المنتجة والخالقة لمناصب شغل جديدة وقارة وتسهيلات على مستوى استيراد التقنيات والتجهيزات والموارد الضرورية .
- إصلاح القطاع البنكي سيما نحو قيامه بدوره كاملا في تمويل الاستثمارات المنتجة بأسعار فائدة معقولة .
- توفير البنيات التحتية الأساسية في مناطق صناعية مجهزة بأثمنة مشجعة بعيدا عن المضاربات العقارية
كما يجب إقرار سياسة تعاقدية بين مكونات الاقتصاد الوطني من قطاع عام وقطاع خاص وجماعات محلية ومؤسسات التكوين والبحث .. تكفل لكل مكون حقوقه وواجباته وتحدد مقاييس التعامل فيما بينها وبين الرأسمال الدولي على أساس شراكة واضحة المعالم. وهكذا يمكن ضمان تفاعل إيجابي بين جميع المكونات.
ت – من أجل اقتصاد متضامن فعال :
لا أحد ينكر الدور الذي أصبحت تلعبه فعاليات المجتمع المدني والجمعيات والمنظمات الغير الحكومية.. في الحياة الاجتماعية للمواطنين . وعليه وجب تشجيع وتحفيز مكونات المجتمع المدني بإقامة شراكات مع الجماعات المحلية والإدارات الجهوية من أجل تأطير وتنظيم و مساعدة الموطنين الأقل حظا في خلق وحدات إنتاجية تضمن لهم تحقيق المستوى الأدنى من العيش الكريم و تنقذهم من التهميش. كما يجب تشجيع المجتمع المدني كي يساهم في الحفاظ على الحد الأدنى من الخدمات الاجتماعية للمواطنين.
وثيقة حول التنمية الفلاحية والقروية
يشكل القطاع الفلاحي محركا أساسيا للاقتصاد الوطني ككل ومرتكزا ضروريا للتنمية القروية ومدخلا لمواجهة تحديات العولمة. فالقطاع الفلاحي قد يمكن،إذا تم سن سياسة جديدة للنهوض به، من تحقيق نمو اقتصادي قوي نظرا لارتباطه وتأثيره على مجمل القطاعات الأخرى المنتجة ويمكن من خلق مناصب شغل وتنمية أنشطة جيدة بالعالم القروي من شأنها أن تساهم في تنمية مداخل الساكنة القروية والحد من الفقر والتهميش.
إن تحقيق التنمية القروية عبر النهوض بالقطاع الفلاحي مرتبط بتوفير التجهيزات التحتية والاقتصادية والاجتماعية نظرا لما تلعبه هذه التجهيزات من دور حاسم في تنمية القدرة التنافسية و لما لها من انعكاسات على مستوى تكوين العنصر البشري وتكثيف الإنتاج وتطوير وتنويع الأنشطة الغير فلاحية بالوسط القروي.
رغم الأولية التي أعطيت لهذا القطاع منذ بداية الاستقلال حتى الثمانينات والتي اعتمدت أساسا على سياسة السدود وتجهيز دوائر سقوية كبرى لم تمس إلا مناطق محدودة غنية أصلا و كلفت الدولة أثمانا باهظة فإن القطاع الفلاحي المسير من طرف الدولة يعرف ركودا وتدهورا ويعاني من تآكل التجهيزات المنجزة. ولم تستطع السياسات المتبعة استثمار ما يتوفر عليه هذا القطاع من مؤهلات بشرية مهمة سواء فيما يتعلق بالتجربة العريقة للفلاحين المغاربة في هذا القطاع أو كفاءة الأطر المغربية المتخرجة من المعاهد الوطنية والتي تعاني من التهميش رغم الحاجة الماسة إليها.
إن الوضعية الاجتماعية والاقتصادية للمغرب تحتم علينا اليوم إعادة الاعتبار للقطاع الفلاحي وتوفير كل الشروط والإمكانيات للنهوض به نظرا لما يلعبه من دور أساسي في الدورة الاقتصادية :
فعلى مستوى التشغيل يمثل الشغل الفلاحي المباشر حاليا ما بين 40 و50 في المائة من مناصب الشغل على الصعيد الوطني و 80 في المائة من فرص الشغل على مستوى العالم القروي.
ويساهم في ما بين 12 و24 في المائة من الناتج الداخلي الخام حسب التقلبات المناخية.
ويلعب القطاع الفلاحي دورا كبيرا في تغطية الطلب الغذائي وتأمينه فيما يخص الحبوب ، السكر ، الحليب و اللحوم والخضر والفواكه فيما يظل الخصاص كبيرا فيما يخص الزيوت.
كما يتميز القطاع الفلاحي بدور هام في تنمية التجارة الخارجية حيث تشكل الصادرات 18 في المائة من مجموع الصادرات فيما الواردات تشكل 19 في المائة من مجموع الواردات.
ويساهم القطاع الفلاحي في تنشيط العديد من القطاعات سواء الموجودة في عاليته نظرا لما يتطلبه من تجهيزات وخدمات ومواد أو الموجودة في سافلته لما يوفر لها من مواد أولية خاصة الصناعات الغذائية.
من جانب آخر تفرض علينا تحديات العولمة تدارك التأخير الحاصل القطاع الفلاحي وتأهيله.
إن السياسات الفلاحية المتبعة بغض النظر عن جدواها لازالت بعيدة جدا حتى عن الأهداف التي رسمتها رغم التكلفة العالية لهذه السياسات. فرغم التجهيزات الكبرى التي أنجزت منذ أكثر من 20 سنة (سدود، دوائر سقوية كبرى) فإن مردود الزراعات الموجودة في هذه الدوائر لا تمثل سوى 30 في المائة من المردود القابل للتحقيق بالنسبة لجل الزراعات، كما لازالت نسبة السقي داخل بعض الدوائر السقوية الكبرى تحت المستوى المطلوب.
وما يمكن استنتاجه بالنسبة للقطاع الفلاحي فإنه لازال يتوفر على مؤهلات و إمكانيات للتقدم وهوامش للتطور سواء داخل المناطق السقوية المجهزة التي يجب تدارك التأخير الحاصل فيها أو خارجها التي يجب بذل مجهودات كبيرة لاستغلالها.
ولا يمكن أن يتأتى ذلك إلا بتبني استراتيجية جديدة واضحة بمشاركة كل الفاعلين لتنمية مندمجة في العالم القروي والتي أصبحت ضرورية اليوم من أجل محاربة الفقر والتهميش. هذه الاستراتيجية يجب أن تشمل كل عناصر و أوجه الاقتصاد القروي مع أهداف رئيسية أهمها:
- توفير المتطلبات الأساسية للمواطنين فيما يخص التجهيز ( الماء، الكهرباء، الطرق، المسكن…) والخدمات الأساسية ( المدرسة، محاربة الأمية، الخدمات الطبية…).
- توفير مناصب شغل قارة تمكن من الحصول على مداخيل كافية للعيش الكريم وغير خاضعة للتقلبات المناخية.
- توفير المناخ المحفز على خلق أنشطة جديدة على مستوى الفلاحة ، الصيد البحري التقليدي، السياحة… بخلق مقاولات صغرى في هذه الميادين. كما يفترض كذلك استغلال جميع الإمكانيات التي يتوفر عليها القطاع الفلاحي سواء في المناطق السقوية أو البورية من أجل تحسين مرد ودية المنتجات وذلك بتقوية التأطير التقني والرفع من المستوى التعليمي للفلاحين و إدماج القدرات العلمية والبحث العلمي التنموي.
إن المناظرة الوطنية للفلاحة والتنمية القروية التي انعقدت بالرباط في يوليوز 2000 والتي شاركت فيها أطر وطنية كفأة بشكل فعال أبانت عن تحليل عميق ذو بعد اجتماعي وعن قوة اقتراحية كبرى ظلت حبيسة الرفوف وساهمت في بلورة استراتيجية يمكنها أن تشكل قاعدة صلبة للعمل إذا ما تم تحيينها وتطعيمها وتفعيلها في الواقع عبر برامج مدققة.
وكما جاء في هذه الاستراتيجية فإن النهوض بالقطاع الفلاحي وتحقيق التنمية القروية يستلزم على الدولة تقديم دعم حاسم لكل الفلاحين والفاعلين في هذا القطاع بدل تخليها التدريجي الذي تمارسه الآن وترك المجال للقطاع الخاص الذي رغم
أهميته تظل مبادرته غير كافية ومحدودة جدا. لأن القطاع الفلاحي بالنظر لأهميته الاجتماعية وهشاشته يتطلب تدخلا قويا ومتواصلا للدولة وتنظيم جديد لوزارة الفلاحة يرتكز بالأساس على مفاهيم اللامركزية و الجهوية وسياسة القرب وتقوية المصالح الخارجية ذات الصلة المباشرة مع الفلاحين من أجل تأطيرهم و تنظيمهم في جمعيات وتعاونيات من أجل تمكينهم من استعمال التكنولوجيا الحديثة و القدرة التنافسية في الأسواق.
إن أي استراتيجية تهدف إلى النهوض بالقطاع الفلاحي و تحقيق التنمية الشاملة للعالم القروي ولكل الاقتصاد الوطني يجب أن تأخذ بعين الاعتبار الأولويات التالية:
* العمل على ترجمة استراتيجية التنمية القروية إلى برامج عمل منسجمة مع القطاعات الأخرى.
* إعطاء أولوية كبرى لتأهيل العنصر البشري بالعالم القروي من أجل تدارك التأخير الحاصل في التربية والتكوين وتنمية الكفاءات المهنية للسكان القرويين عبر وضع خطط وطنية كبرى في هذا المجال في أفق عصرنة البادية المغربية وتمكين ساكنتها من مسايرة التقدم التقني و التنافسية .
* العمل على إيجاد حلول سريعة للمشاكل العقارية التي تشكل عائقا كبيرا أمام تقدم الفلاحة المغربية والعمل على الحد من تباينات الملكية العقارية ودعم الاستغلاليات الصغرى وإعطائها الأسبقية من الاستفادة من أراضي الدولة ومن اقتناء الأراضي المعروضة للبيع والعمل على تصفية نظام الأراضي الجماعية القابلة للزراعة .
* تشجيع نظم الإنتاج الأكثر استعمالا لليد العاملة دون إغفال جانب التنافسية والاستدامة مع تشجيع سلاسل الفواكه والخضر و تطوير الصناعة الغذائية وتشجيع إنشاء شركات الخدمات من طرف المقاولين الشباب (الدراسات…).
* رد الاعتبار للعمل التعاوني لتعاونيات على قواعد ديموقراطية وشفافة وحمايته من التسلط الإداري ومن المفسدين ومراعاة مبدأ التجانس بين المنخرطين عند التأسيس و السهر على منع أي هيمنة أو تسخير هذه التعاونيات لأغراض أخرى ويتطلب هذا مراجعة قانون التعاونيات الفلاحية وتأطير فعال لها من طرف الدولة.
* تطهير وتنظيم قنوات التسويق بهدف الحد من جبروت الوسطاء وضمان مردود مناسب للمنتج مع العمل على تنويع الأسواق الخارجية.
* العمل على عصرنة وتفعيل دور الغرفة الفلاحية وتعزيز دورها في تنظيم الفلاحين الصغار في تعاونيات أو جمعيات أو أي شكل آخر يمكنهم من الرفع من إنتاجيتهم وقدرتهم التنافسية.
* تشجيع البحث الزراعي ومده بالإمكانيات المادية الضرورية حتى يلعب دوره المركزي في عصرنة تقنيات الفلاحة والعمل على إيجاد أصناف جديدة للمزروعات تتلاءم مع ظروف الجفاف وذات مردودية أكثر وكذلك العمل على مسايرة التنافسية.
* العمل على إيجاد عن طريق البحث الزراعي على مزروعات ذات قيمة مضافة عالية (مزروعات ذات جودة عالية ومزروعات خاصة كالنباتات الطبية) وتعميمها في المناطق الجبلية ذات الاستغلاليات الصغرى من أجل الرفع من إنتاجيتها ومداخيل الفلاحين الصغار.
* العمل على نقل وتعميم نتائج البحث لعموم الفلاحين وملاءمتها مع مختلف أصناف الاستغلاليات وبالأخص الصغرى والمتوسطة ذات الإمكانيات المحدودة للوصول إلى هذه النتائج.
* الاهتمام بالزراعة الجبلية التي لازالت مهمشة والتي تتوفر على مؤهلات متنوعة غير مستغلة خاصة فيما يتعلق بالأشجار المثمرة ، الزراعة البيولوجية ، النباتات الطبية و غيرها.
وإضافة إلى هذه التدابير وسعيا نحو توفير إمكانيات استيعاب اليد العاملة القروية محليا لابد من العمل على تنويع الأنشطة الاقتصادية بالبادية المغربية بتشجيع توظيف الأنشطة الصناعية والخدماتية المرتبطة بالإنتاج الفلاحي والتجهيزات الفلاحية,
لإنجاز هذه الإستراتيجية لا بد من نهج سياسة تشاركية يساهم فيها المواطنون و المعنيون والمنتخبون المحليون والمصالح الغير ممركزة والجمعيات أجل اتخاذ القرارات اللازمة والصالحة في إطار من التشاور والحوار الجاد.
الوثيقة التنظيمية
من أجل حزب ديمقراطي منتج وفاعل في الحقل السياسي .
تم الإعلان عن تأسيس حزب اليسار الاشتراكي الموحد في شهر يوليوز 2002 وقد اعتبر تأسيس الحزب جوابا متقدما التزمت به أربعة تنظيمات يسارية هي ” منظمة العمل الديمقراطي الشعبي ، حركة الديمقراطيين المستقلين ، الحركة من أجل الديمقراطية و الفعاليات اليسارية المستقلة” ، محدثة بذلك نقلة نوعية في المشهد السياسي بالمغرب ، وخاصة اليساري منه على وجه التحديد . فمن واقع التجزئة والتشرذم وما ترتب عنه من تراجع وضعف لليسار المغربي ، كان التأسيس إشارة إلى انطلاق مرحلة جديدة ، مرحلة الوحدة والاندماج ، وما يجب أن يتبع ذلك من تقوية للحضور والفعل اليساريين على الساحة المغربية .
ضمن هذا السياق كان تأسيس حزب اليسار الاشتراكي الموحد قبل سنتين والحزب ، حاليا ، على بعد أشهر قليلة من عقد مؤتمره الوطني الأول ، فإنه مطالب ، وبإلحاح ، بتقييم تجربته العامة ، تقييما موضوعيا ، حتى يتسنى له توفير الشروط لانطلاقة حزبية متميزة ، تعكس القوة الحقيقية لليسار .
ولأن تقييم التجربة يبقى متشعبا ومتداخلا ، فإن لجنة العمل الحزبي ركزت جهودها على الجانب التنظيمي في حلقاته المختلفة ، محاولة التركيز أكثر على إبراز نقاط الضعف والثغيرات التي شابت الأداء التنظيمي خلال الفترة المنصرمة ، آخذة بعين الاعتبار المسافة الضرورية بين عملها هذا، وما يمكن أن يتضمنه التقرير الأدبي المتروك إنجازه للمكتب السياسي ، وما يمكن كذلك ، أن يتضمنه القانون الداخلي للحزب الذي تمت إجازته في الفترة الأخيرة .
إن النتائج العامة التي حصل عليها الحزب ، سواء فيما يتعلق بتوسيع صفوفه و مواصلة تأسيس الفروع الجديدة ، أوما يخص هيكلة القطاعات الحزبية ، أوما يرتبط بأداء وعمل هيآته المنتخبة مركزيا ومحليا ، أوما يتصل بحضور الحزب الجماهيري ، أو حضوره داخل المؤسسات المنتخبة ، إن هذه النتائج لم تكن محط رضا ، بل خلقت حالات من التذمر والاستياء ، وأحيانا الانكفاء لكل ذلك ، لابد من وضع الأصبع على نقاط الضعف التي أثرت سلبيا على الأداء التنظيمي للحزب ، بهدف عرضها على المناقشة العامة ، والوقوف عند أسبابها الذاتية والموضوعية ، حتى يكون الحزب، بعد مؤتمره الوطني الأول مؤهلا للتحول إلى قوة سياسية لها وزنها في الحقل السياسي المغربي .
إن التركيز على استجلاء النقائص التي طبعت الأداء التنظيمي للحزب لايعني بأي حال من الأحول ، النظر فقط إلى النصف الفارغ من الكأس ، بل يجب الإقرار أن مجهودات كبرة قد بذلت وأن هنالك تراكما قد حصل بالفعل ، ولأن هناك هذا القدر من التراكم ، يجب إعمال النقد والمساءلة ، بهدف مواصلة البناء بالإضافة والتطوير ، بعيدا عن كل نظرة تهدف إلى التنكر لما تم إنجازه وتحقيقه ، وما سيتتبع ذلك من إلحاق الغبن بالرفاق والهيآت التي قادت التجربة منذ التأسيس إلى الآن.
I ) في تقييم التجربة التنظيمية للحزب
لايمكن الحديث عن عملية تقييم للتجربة التنظيمية للحزب ، دون تقديم الحصيلة التنظيمية العامة ، وذلك على مختلف المستويات .
1-1 // في مستوى البرنامج السياسي :
إن البداية لكل تنظيم هو البرنامج السياسي ( الذي يعكس الأهداف الاجتماعية والاقتصادية التي يناضل من أجلها ) وآليات ترجمته عمليا على مستوى الواقع ، إن ذلك البرنامج هو الذي يمنح التنظيم شرعية الوجود والتطور، ويحدد الفئات المستهدفة للاستقطاب والتعبئة حوله و الفئات المؤهلة للتحالف معه . وهنا لابد لنا من الإقرار أن برنامجنا لم يخرج عن الشعارات العامة كالديمقراطية ودولة الحق والقانون والوحدة الترابية ، إلى غير ذلك من الشعارات التي تشترك في رفعها كل الأحزاب البرجوازية والبرجوازية الصغيرة سواء كانت يمينية أو يسارية .
إن تطور قاعدتنا وتوسيع حزبنا وتزايد وزنه على الساحة السياسية وتأثير فعله حتى يرقى إلى استجابة الإرادة السياسية السائدة لمواقفه، لن يتم إلا إذا كان برنامجنا يستجيب لتطلعات الأغلبية الشعبية القابلة للتنظيم والصراع المنظم.
إن الديمقراطية وتوسيع مجالات الحريات العامة والحريات الديمقراطية مثلا ، شعارات صحيحة و لكن علينا أن نحددها ونحدد وسائل تحقيقها ، وكذلك شعار الإصلاحات السياسية والدستورية هو شعار صحيح ولكن ما هي تلك الإصلاحات بالتدقيق ؟ وكيف يمكننا أن نكون فاعلين من أجل إحداثها على مستوى التشريع والممارسة ؟ فهذا الشعار يمكن أن يكون برنامج مرحلة بكاملها قد تطول أو تقصر تبعا للقوى المعبأة من أجل إنجازه ، وإن قوة الحزب وحدها غير كافية لإنجازه ، وإذا لم ينتشر برنامج الإصلاحات الدستورية والسياسية وسط أوسع الجماهير ، وتتم تعبئتهم حوله، فلن يكون له أي تأثير في الصراع السياسي .
1-2 // الطبقات والفئات المؤهلة لمسايرة برنامجنا :
لا يمكن لأي حزب أن ينمو دون أن يحدد عمقه الطبقي ، أو بشكل أقل تحديدا عمقه الاجتماعي والنواة الصلبة لارتباطه بذلك العمق ، إن عمقنا الاجتماعي لن يكون المقاولون ولا الرأسماليون الكبار أو المتوسطون ، لأن أولائك لهم تنظيمات شتى لتحقيق طموحاتهم والدفاع عن مصالحهم .
إن عمقنا الاجتماعي لا يمكنه أن يكون إلا الطبقات الكادحة التي لا تملك وسائل أخرى لتحقيق مطامحها إلا النضال المنظم ووحدة إرادتها السياسية . إن استمرار وجودنا مرتبط بالإنغراس داخلها و ترجمة ميولاتها المشروعة نحو حياة أفضل، وتلك هي الطبقات التي علينا أن نستهدف في نشاطنا الإعلامي والسياسي والتنظيمي ومع الأسف لحد الآن نجد أنفسنا لا نمثل شيئا داخلها ولا تعرف إلا القليل عنا ، إننا لحد الآن لم نتجاوز فئة الأساتذة والمعلمين وبعض الموظفين الصغار ، وحتى داخل تلك الفئات لا نهتم بشبابها الطليعي الذي يشتغل في العديد من جمعيات المجتمع المدني .
1- 3 // في الاستقطاب :
إن عملنا الإستقطابي يعتمد العفوية والصدفة والليبرالية ، حيث أننا لا نخضعه لمعايير واضحة و مقننة وقابلة لتقويم ملموس ، إننا نستقطب داخل كل الطبقات والفئات والشرائح وليس على أساس الاستقامة ( التي يجب أن نحدد عناصرها الأساسية ) والاصطفاف في صف الطبقات الشعبية (بالممارسة والتطلعات … ) والقدرة على الدفاع على مصالحها ( دعائيا أو تنظيميا… ) والتركيز على الطبقات والفئات التي ستصنع الغد ( المثقفون الديمقراطيون التقدميون، الطلبة والتلاميذ، وجميع الفئات الشبيبة ، العمال ، الفلاحون ، التجار الصغار ، الحرفيون .0.. ) لابد لبنية حزبنا أن تمثل تلك الطبقات والفئات وإلا فلا مبرر لوجودها . واليوم علينا أن نقوم بإحصاء عام لمناضلينا حتى نتمكن من تحديد طبيعـتهـا الاجتماعية لكي نضع خطة لتنميتها أو لتغييرها جذريا .
1-4 // في التكوين :
إننا كنا نعمل وكأن التفاهم قائم بين الجميع وكأن الأسس النظرية والإيديولوجية محسومة بالنسبة للجميع وأن أهدفنا السياسية وبرنامجنا الاقتصادي- الاجتماعي معلوم من كل المناضلين. لم نزد المناضلين والأعضاء الجدد أي شيء فكيف إذن سنحول أفكارهم وسلوكهم وإغناء معارفهم ومناهج عملهم والارتقاء بهم إلى أدوات فاعلة ومغيرة للواقع الذي نعيشه؟ بل وكيف سيتحرك التنظيم كإرادة موحدة لترجمة أهدافه إلى واقع محسوس ومحسوب ؟ إنه ، وفي انتظار تأسيس مدرسة للتكوين تحت إشراف الأجهزة المسيرة للحزب ، لابد من الاهتمام ببرنامج التكوين . إن تاريخ بلادنا ونضالاته ليس هو التاريخ المكتوب ، لابد من تجنيد أطرنا وكفاءاتنا المتخصصة في علم التاريخ من إنجاز كراسات وكتيبات توحد نظرتنا انطلاقا من منهجنا المادي الجدلي . ذلك مثال فقط ، فمحاور العمل كثيرة ومتعددة وبإمكانها أن تكون مرجعا لنا وللأجيال القادمة.
ويبقى الأهم حاليا هو توحيد مفاهيمنا حول الديمقراطية ، دولة الحق والقانون ، البرلمان ، المؤسسات المنتخبة ، النقابة ، الديمقراطية الاجتماعية …. لأن تلك المفاهيم هي عناصر نظرية علينا بلورتها وتعميمها داخل التنظيم عبر كراسات حتى يمكن التفاهم على الأساس وتدبير الخلاف في تنوع مناهج وطرق التطبيق
1-5 // في التنظيم على المستوى المركزي
1-5-1 // المكتب السياسي :
مباشرة بعد انتهاء المؤتمر التأسيسي للحزب ، تم تشكيل المكتب السياسي ، فإلى أي حد استطاعت هذه الهيأة القيادية أن تضطلع بدورها في تفعيل وتنشيط الحياة الحزبية ؟ .
منذ تشكيله والمكتب السياسي يعاني من أعطاب أساسية حدت من إمكانيات عمله ، وهو ما أدخله ، ومعه التنظيم ككل ، في أزمة طويلة ، يمكن تحديد بعض أسبابها في العناصر الآتية :
- الغيابات الكثيرة لعدد لابأس به من الأعضاء .
- تعدد مسؤوليات بعض الأعضاء ، ومركزة عدة مهام ، مما حال دون التقدم في إنجاز مايتم الاتفاق عليه .
- عدم انضباط بعض الأعضاء لقرارات المكتب السياسي، وتسريب الخلاف إلى الصحافة، مما أضر بصورة وسمعة الحزب.
1-5-2 // اللجنة المركزية :
تم انتخاب اللجنة المركزية لحزب اليسار الاشتراكي الموحد خلال المؤتمر التأسيسي، باعتبارها هيأة تقريرية ، فهل كانت هذه الهيأة في مستوى المهام الموكولة لها ؟ .
تعتبر اللجنة المركزية أعلى هيأة تقريرية في الحزب بعد المؤتمر الوطني وعليه فمن المفروض أن تكون وثيرة اشتغالها على درجة عالية من الكفاءة والمردودية ، سواء في علاقتها مع المكتب السياسي، أو في علاقاتها مع القطاعات الحزبية والفروع المحلية واللجان الإقليمية ، أو في عكس مواقف الحزب والدفاع عنها في الأقاليم والجهات، لكن عملها لم يرق إلى ما كان منتظرا ، حيث عانت هذه الهيأة من تضخم عدد أعضائها واستفحال الغيابات عن اجتماعاتها ، وتمركز أزيد من 40% من أعضائها بمحور البيضاء – الرباط ، مع كل ما سيتبع ذلك من ضعف وعدم تمثيلية لأقاليم متعددة .
وبشكل عام ، فإن اللجنة المركزية ، عاشت وضعا مشلولا ، يقتضي الإعداد للمؤتمر الوطني الأول طرحه للنقاش الرفاقي الهادف ، والتفكير ، من الآن ، في ضوابط تنظيمية للرفع من أداء اللجنة المركزية المقبلة ، التي سينتخبها المؤتمر .
1-5-3 // اللجان الوظيفية :
بهدف تطوير العمل وتعميق الديمقراطية الداخلية بإشراك أعضاء اللجنة المركزية في تدبير الشأن الحزبي ، شكل الحزب مجموعة من اللجان الوظيفية ، لكن معظمها ، لم يرق إلى ما كان مأمولا . إذ باستثناء اللجنة التنظيمية الوطنية
ولجنة الانتخابات والمؤسسات المنتخبة ولجنة القطاعات ، فإن بقية اللجان ظلت مشلولة ، ولم تباشر حتى عملية الإعداد الأدبي لعملها وهو ما أثر سلبيا على تقدم الحزب في إعداد الملفات الضرورية لتطوير أدائه وتجاوز النقص الحاصل في تواصل المركز مع الفروع ، وتواصل الحزب ككل مع محيطه السياسي والمجتمعي . ولعل تقاعس عدد كبير من أعضاء اللجنة المركزية عن الحضور وإغناء الاجتماعات بأفكارهم واقتراحاتهم والتزامهم بتنفيذ ومتابعة القرارات المجمع حولها ، تبقى من الأسباب العميقة التي ” أفرغت” الحزب من إمكانياته الإقتراحية والتعبوية بهدف إحراز التقدم الكافي في بناء الحزب الجماهيري القادر على التأثير في ميزان القوى السياسي بالبلاد.
1-5-4 // القطاعات الحزبية :
لم يوفق الحزب كذلك فيما يخص هيكلة القطاعات الحزبية المفروض أن تكون مهيكلة الآن ، ورغم أن بعض القطاعات قد باشرت عملية التحضير الأدبي لعقد ندواتها الوطنية ، فإن المحصلة كانت مخيبة للآمال .
فقطاع التعليم الإبتدائي والثانوي مثلا عقد عدة لقاءات تحضيرية مع إعداد أرضية واقتراح مجموعة من التواريخ لهيكلة القطاع ، لكن هذا المجهود لم يصل إلى نهايته . نفس الملاحظة يمكن تسجيلها بالنسبة لقطاعات مهمة كقطاع الصحة،المحاماة،الفلاحون، المستشارون الجماعيون .
ورغم الجهد الذي بذل في هيكلة قطاعات النساء والشباب والطلبة وأساتذة التعليم العالي، فإن هذه القطاعات لم تتصدع بعد لمسائل التوسع والاستقطاب والعمل الجماهيري والدعائي الضروري .
1-5-5 // مؤسسات المجتمع المدني :
يشتغل مناضلو الحزب في العديد من الجمعيات النقابية والحقوقية والثقافية والتنموية والسكنية وغيرها ، وهي إما جمعيات ذات بعد وطني أو ذات بعد محلي أو إقليمي، وهو ما يشكل رصيدا اجتماعيا مهما على الحزب أن يوليه عناية خاصة ، بهدف بلورة استراتيجية للحزب في هذا المجال توحد رؤية مناضليه وأساليب اشتغالهم في هذه الفضاءات المدنية التي تتميز بالاحتكاك المباشر واليومي بين مناضلي الحزب ومناضلي أحزاب وتنظيمات أخرى، وكذلك المواطنين غير المتحزبين. من هنا يبقى تحديد المبادئ الموجهة لمناضلي اليسار المشتغلين في حقل المجتمع المدني أولوية كبرى، تقوم (على الحرص ) على إشاعة مبادئ الديمقراطية وقيم المواطنة ، بعيدا عن كل رؤية احتوائية أو إلحاقية.
1-6 // في التنظيم على المستوى المحلي
لقد أثرت الإختلالات التنظيمية مركزيا وقطاعيا على الفروع المحلية بهذه الدرجة أو تلك ، الشيء الذي انعكس سلبيا على الدورة التنظيمية المحلية ، وساهم في إبطاء وتيرة تأسيس فروع جديدة، وحتى الفروع التي تم تأسيسها تباين أداؤها التنظيمي والسياسي خاصة مع توالي الاستحقاقات الانتخابية خلال السنتين الماضيتين .
بشكل عام ، فإن الفروع المحلية واللجان التحضيرية شابت عملها اختلالات عميقة ، يمكن رصد أهمها على الشكل التالي :
- افتقار الحزب إلى تصور تنظيمي موحد ، بإمكانه الإسهام في تذويب الإختلالات وتيسير أشغال الفروع .
- ضعف تحمل المسؤولية التنظيمية والمالية ، سواء على مستوى الحضور والمشاركة وتنفيذ مهام ، أو على مستوى الالتزامات المالية ، مما خلق مشاكل في توفير السومة الكرائية للمقرات الحزبية ، وحال دون إيجاد التمويل الضروري لأنشطة حزبية متعددة .
- تراجع قيمة الزمن وعدم احترام المواعيد ، مما يحول الاجتماعات العادية لمكاتب الفروع ومجالس الرفاق إلى جلسات انتظار ماراطونية مملة و منهكة ، كثيرا ما تسببت في خلق مشاكل جانبية ، عوض أن تكون محطات لتجاوز المشاكل القائمة والتفكير في صيغ لتطوير التنظيم محليا .
- ضعف الانضباط للقرارات الحزبية .
- كثرة الصراعات المجانية غير المنتجة .
- عدم التمكن من إعداد خطة سنوية لتشغيل المقرات الحزبية بصفة دائمة ومنتظمة بعيدا عن الارتجالية والعشوائية ، وهو ما جعل المقر الحزبي يتحول إلى عبء مالي ليست له مردودية نضالية وليس له دور في تطوير الحزب وتوسيع انفتاحه على فئات وشرائح اجتماعية بالإمكان الانفتاح عليها والاستماع إلى مشاكلها والمساهمة في النضال إلى جانبها .
- ضعف متابعة الحياة الحزبية الداخلية ، اللهم الاقتصار على الإطلاع على التعاميم الواردة من مركز الحزب ، مع إهمال شبه تام لاقتناء الجريدة المركزية للحزب من طرف العديد من الأعضاء المسؤولين في الفروع ، في الوقت الذي يتم فيه اقتناء جرائد أخرى حزبية مع الأسف .
- اشتغال الفروع بعدد محدود من الأعضاء الملتزمين تنظيميا وسياسيا وماليا ، وانتشار حالة من الإنتظارية القاتلة بين أوساط جزء واسع من الجسم التنظيمي مع مايترتب على ذلك من عجز في إنجاز وفي تنفيذ مهام نضالية متعددة .
- تحول النضال ، في كثير من الحالات ، إلى تسجيل للمواقف المجردة المهووسة باستعجال النتائج ، بدل المشاركة في رسم استراتيجية محكمة للتصريف العملي المبدئي والجماهيري الكفيلة بالدعاية للحزب ، ولمواقفه وتوسيع محيطه الاجتماعي.
- ترسخ حالة ضعف المبادرة وعدم الإبداع الكافي في الجوانب التنظيمية والمالية والسياسية ، حيث تحولت مكاتب الفروع إلى خلايا لتدبير الأزمات والجري المتواصل وراء تحصيل واجبات الكراء ، عوض الاهتمام بالتخطيط ووضع البرامج الإشعاعية والتكوينية .
- تراجع مستوى النقاش السياسي والفكري العام ، وعدم القدرة على مواكبة المستجدات الدولية والوطنية والمحلية بالقراءة والتحليل والنقد وصياغة البرامج والخطط العملية البديلة .
1-7 // في التعاطي مع الانتخابات :
تشكل الانتخابات محطة من المحطات النضالية الكبرى التي تستدعي تعبئة تنظيمية شاملة ويقضة سياسية تامة ونشاطا إعلاميا ودعائيا مكثفا . ذلك انه خلال فترة الانتخابات التي لاتتكرر إلا مرة كل خمس اوست سنوات ، يستطيع الحزب الاتصال بأوسع الجماهير ، والتحاور معها وعرض برنامجه عليها ، والتعريف بأطره ومناضليه. كما تشكل نتائج الإنتخابت ، في حلقاتها التشريعية والجماعية والمهنية والجهوية ، اختبارا لشعبية الحزب ، ومدى انغراسه وسط المواطنين وتجاوبه مع شعاراته ومواقفه، كما يسمح العمل والتواجد داخل المؤسسات المختلفة بالتعرف عن كتب على المشاكل الحقيقية للمواطنين وفرصة للتصدي وفضح المفسدين والمتلاعبين .
هكذا وبعد أسابيع قليلة على تأسيس الحزب ، انطلق مسلسل الاستحقاقات الانتخابية، التي شارك فيها الحزب دون إعداد كافي ، رغم المجهودات التي بذلت مركزيا ومحليا ، من اجل تغطية أكبر عدد من الدوائر الانتخابية والجماعات الحضرية والقروية . لكن النتائج التي حصل عليها الحزب سواء في الانتخابات التشريعية أو الجماعية خلقت حالة من الاستياء وعدم الرضا. فلماذا لم يكن الحزب في المستوى المأمول ؟ .
بالإضافة على العوامل الموضوعية التي ساهمت في تقزيم نتائج الحزب ، سواء بشكل مباشر ، أو عن طريق التقطيع الانتخابي والتمويل والحصص المخصصة له في وسائل الإعلام العمومية ، فإن العوامل الذاتية ، ساهمت بدورها بنصيب وافر ، في حصول الحزب على تلك النتائج الضعيفة ، ويمكن تحديد ذلك في العناصر التالية :
- عزلة الحزب ومناضليه عن المواطنين ، سواء من حيث اعتباره حزبا جديدا في الساحة ، أو من حيث طبيعة الخطاب الموظف في الحملات الانتخابية .
- التأخر الكبير في الإعداد للانتخابات بسبب تزامنها مع العطلة الصيفية ، وعدم انتباه الرفاق إلى أهمية المواعيد الانتخابية التي حددتها السلطات العمومية في البلاد .
- الصراعات الذاتية بين المناضلين في العديد من الفروع، و الحملات المضادة التي شنها أعضاء من الحزب ضد رفاقهم المرشحين .
- استنكاف العديد من المناضلين عن التسجيل في اللوائح الانتخابية ورفض كثير من الأعضاء المشاركة في الحملة الانتخابية.
- ضعف الإطلاع والمعرفة بالمقتضيات الأولية للقانون الانتخابي، مما ساهم في تأخير إعداد اللوائح الحزبية في ظروف مواتية.
- ضعف الإمكانيات المالية، سواء كدعم مركزي أو كمساهمات محلية.
- محدودية الحملة الانتخابية وتأخر انطلاقها مقارنة مع الأحزاب الأخرى .
- ضعف المساهمة النسائية في الترشيح والدعاية الحزبية .
- عجز الحزب عن الاستفادة من الإمكانيات التي خلقتها الحملة الانتخابية على مستوى الاستقطاب وتوسيع الصفوف .
كما كشفت المرحلة الموالية للانتخابات الجماعية تحديدا ، وخاصة على مستوى تشكيل مكاتب الجماعات القروية والمجالس الحضرية عن اختلالات عميقة في سلوكات ومواقف بعض مستشاري الحزب الذين لم يلتزموا بالثقة التي وضعها فيهم الحزب ، فمنهم من انتقل إلى أحزاب أخرى .
وبشكل عام ، فإن نتائج الحزب ، تظهره كأنه حزب صغير وهامشي ، يحظى ببعض الشعبية والإنغراس الجماهيري في مناطق قروية معزولة ، وبضعف حضوره وتراجع شعبيته في المدن والجماعات الحضرية ، وهذا يطرح ضرورة إعادة النظر في الخطاب السياسي الذي يوظفه الحزب ، والفئات الاجتماعية المستهدفة بهذا الخطاب .
كل ذلك لم يرق حزب اليسار الاشتراكي الموحد إلى لعب الدور السياسي والمجتمعي الذي من أجله تم تأسيسه ، وبدا الحزب ، في محطات كثيرة كأنه ساحة تصرف فيها خلافات ومشاكل أطراف أخرى ، وهو ما كشف هشاشة وضعف مناعة الحزب وضرورة بذل المزيد من الجهد لتحصين الذات الحزبية حتى لا تصاب بأعطاب جزئية أو تامة .
وحرصا على المشروع الوحدوي الذي يجسده الحزب ، والذي أحيى بفضله آمالا كبرى في جدوى النضال الديمقراطي الراديكالي ، فإن النقد الموجه لتجربة الحزب التنظيمية ليس من باب المزايدة الكلامية ، ولكنه نابع من غيرة حقيقية على المشروع السياسي والمجتمعي الذي يحمله ويدافع عنه الحزب .
II ) من أجل تأهيل تنظيمي للحزب :
يمكن القول أن المشكلة الحقيقية التي عاشها الحزب وآثرت سلبيا على أدائه التنظيمي وحضوره السياسي ، لا تكمن في الإنتاج النظري للأفكار والشعارات والمواقف – على أهميتها – وإنما هي في كيفية تصريف كل ذلك وترجمته ميدانيا وجماهيريا ، بهدف التأثير في ميزان القوى السائد ، وخلق وضعية سياسية متقدمة لفائدة قوى التغيير الديمقراطي ، وذلك لن يتأتى ، بكل تأكيد بتنظيم لم يستجمع أنفاسه ولم ينظم قواه ولم يضبط بعد أساليب عمله واشتغاله.
لذلك يجب أن تحتل المسالة التنظيمية بكل أبعادها ، موقعا مركزيا في النقاشات الجارية في أفق عقد المؤتمر الوطني الأول للحزب ، بهدف أن يكون موعد المؤتمر محطة حقيقية لانطلاقة تنظيمية تروم تأهيل الحزب مركزيا وجهويا ومحليا .
ولا يمكن إحراز التقدم المنشود ، في هذا الباب ، دون التسلح بثقافة تنظيمية حديثة تخلص العمل السياسي من الممارسة العفوية والتلقائية ، وتقوم على عقلنة التدبير الحزبي، بما يحقق المزيد من ترسيخ وتجدير الحضور الحزبي على الصعيد الشعبي .
2-1 ) عى المستوى المركزي :
2-1-1 // المكتب السياسي :
لكي يعرف المكتب السياسي ديناميكية جديدة في عمله ويرفع من مردوديته ، لابد من إدخال الإصلاحات التالية:
- تقليص عدد أعضاء المكتب السياسي إلى مستوى معقول .
- توزيع المهام على قاعدة الكفاءة والقدرة والفعالية النضالية .
- الاشتغال على أساس برنامج سنوي متفق عليه .
- تطوير أدوات التواصل بين المكتب السياسي واللجنة المركزية وعموم التنظيم ، من خلال الحرص على إصدار بيانات وبلاغات عن اجتماعاته ، وإصدار تعاميم إلى الفروع والقطاعات الحزبية وتقديم تقارير مفصلة عن أعماله إلى اجتماع اللجنة المركزية .
- وضع ميزانية سنوية وعرضها على اللجنة المركزية قصد المصادقة .
- تسطير برنامج لتكوين الأطر الحزبية المتوسطة في مجالات التدبير الحزبي والمالي والتنظيمي.
- التفكير في إيجاد حلول للضائقة المالية التي يعاني منها الحزب وعرض المقترحات ذات الصلة على مجموع الجسم التنظيمي.
- تطوير إدارة الحزب وتوفير العنصر البشري والتجهيزات الضرورية لذلك .
2-1-2 // اللجنة المركزية :
لكي تلعب اللجنة المركزية دورها القيادي والتوجيهي في المرحلة القادمة ، والرفع من مردودية أعضائها ، لابد من العمل بمايلي :
- تقليص عدد الاعضاء بما يضمن الفعالية والسرعة في اتخاذ القرار .
- إلزامية الاعضاء بأداء الواجب الشهري والسنوي إلى الإدارة المركزية للحزب ، مع ضرورة الإشتراك في الجريدة .
- تشكيل سكرتارية للجنة المركزية تسهر على ربط الاتصال بالاعضاء وتبليغهم بالمستجدات وضبط الوثائق.
- وضع نظام داخلي يحدد طريقة اشتغال اللجنة ومهام أعضائها وسبل محاسبتهم .
2-1-3 // اللجان الوظيفية :
حتى تتمكن اللجان الوظيفية من القيام بدورها في تنشيط الحياة الحزبية وإعداد التقارير و الملفات حول القضايا التي تهتم بمتابعتها ، فإن ذلك يتطلب مايلي :
- وضع معايير دقيقة لعضوية اللجان الوظيفية ، تراعي فيها الكفاءة والالتزام .
- تقنين عمل اللجان الوظيفية بوضع مساطر داخلية تضبط طرق اشتغالها وتحدد كيفية محاسبة أعضائها .
- وضع برامج ومخططات للعمل وعرضها على اللجنة المركزية قصد مناقشتها وإغنائها والمصادقة عليها .
- تقديم تقارير منتظمة إلى المكتب السياسي عن نشاطها ومنجزاتها ومشاكلها ، ويستحسن أن تكون قبل انعقاد اللجنة المركزية .
2-1-4 // القطاعات الحزبية :
بالنظر إلى أهمية القطاعات الحزبية في توسيع مجالات عمل الحزب ونشر أفكاره ومبادئه وتوسيع صفوفه ، فإن عمل الحزب مستقبلا ، على هذا المستوى ، يجب أن ينصب على مايلي :
- هيكلة كل قطاع حزبي توفرت شروطه البشرية والأدبية مع مراعاة مبدأ المرونة في الانتساب إلى القطاع ، عبر الانفتاح على المتعاطفين والمهتمين ، مع إعطاء استقلالية كبيرة في تدبير شؤون القطاعات ، دون الخروج عن التوجهات العامة للحزب .
- وضع وتدقيق تصور الحزب على واجهة العمل الجمعوي وفضاءات المجتمع المدني .
- إعادة النظر في الدور التنظيمي للشبيبة وتوجيهه للاهتمام بقضايا الطفولة والشباب والتخييم والرياضة والتركيز على الشبيبة المدرسية .
- الاهتمام بالقطاع الطلابي وتوفير الدعم الكافي للقطاع ، سواء في المدن الجامعية أوغيرها من أماكن التواجد الحزبي ، من خلال إحداث لجان خاصة تعنى بمتابعة قضايا الطلبة على مستوى الفروع الحزبية .
2-2 ) على المستوى الجهوي :
رغم ما تضمنه مشروع الوثيقة التنظيمية والقانون الأساسي والقانون الداخلي للحزب ، من تنصيص صريح على ضرورة وجود أجهزة حزبية متمثلة في المجلس الجهوي والمكتب الجهوي ، بهدف بلورة قرارات الحزب في شكل خطط جهوية ومتابعة تنفيذها جهويا ، فإن هيكلة الحزب لم تلامس بعد الحلقة الجهوية .
ولا يخفى ما للهيكلة الجهوية من أهمية في الحاضر وفي المستقبل ، بالنظر إلى الصلاحيات المخولة للجهات الإدارية ولمجالسها المنتخبة ، وهو ما يفرض على الحزب تنسيق جهود فروعه في الجهات ، وتوحيد عملها ، بهدف الوصول إلى مواقع القرار الجهوي . ولتحقيق ذلك يجب العمل وفق مايلي :
- ضبط دورية لاجتماعات مكاتب الجهات .
- ضبط دورية لاجتماعات المجالس الجهوية .
- إشراف المكاتب الجهوية على كل تأسيس جديد ، وتجديد الفروع القائمة ، بتنسيق مع اللجنة التنظيمية الوطنية والمكاتب الإقليمية.
- تبادل المعلومات وإعداد الملفات على مستوى كل جهة .
- الاشتغال على برامج وخطط عملية مضبوطة .
- المساهمة في حل المشاكل المطروحة بالفروع المتواجدة بالجهة .
- رفع تقارير دورية عن برامج وإنجازات الجهة من طرف المكتب الجهوي إلى المكتب السياسي.
2-3 ) على المستوى المحلي :
لايمكن أن يصل خطاب الحزب ومواقفه إلى مختلف المناطق ، في غياب الفروع المحلية المهيكلة والمشتغلة بكيفية سليمة . وتجاوزا لما تمت الإشارة إليه من ثغرات طبعت عمل الفروع منذ التأسيس إلى الآن ، لابد من الاهتمام بالعناصر التالية :
- وضع نظام داخلي للفروع تحدد بموجبه مسؤولية الأعضاء داخل المكتب وكيفية محاسبتهم على الإخلال بالمسؤولية أو التغيبات المستمرة أو عدم إنجاز المهام .
- وضع نظام موازنة مالية للفروع تحدد بموجبها المداخيل والمصاريف السنوية .
- تأسيس المكاتب الإقليمية كلما توفرت الشروط لذلك .
- الاهتمام بقطاعات الشباب والتلاميذ والطلبة والنساء والتجار الصغار والفلاحين ، وإيجاد الصيغ المناسبة لتأطيرهم .
- الاشتغال وفق مخطط سنوي تراعى فيه الإمكانيات الحزبية المحلية والحاجيات المفروض تلبيتها والاستجابة لها.
- وضع مخطط لتشغيل المقرات الحزبية بانفتاحها على فئات وشرائح اجتماعية متنوعة.
- نسج علاقات مع فئات اجتماعية ومهنية لها مشاكل خاصة ووضع المقرات الحزبية رهن إشارتها لعقد اجتماعاتها.
III ) في الإعلام الحزبي
لم يتمكن حزب اليسار الاشتراكي الموحد من إبداع وتطوير إعلام حزبي متميز وكفيل بإيصال خطاب الحزب لأوسع الشرائح الاجتماعية. مع العلم أن مجهودا لازال يبذل على مستوى جريدة الحزب المركزية ” اليسار الموحد ” التي استطاعت الحفاظ على دورية الصدورالاسبوعي ، رغم الصعوبات والعراقيل .
وحتى يكون للحزب حضوره الإعلامي في الساحة الوطنية ، وحتى تكون مواقفه وتحليلاته مقروءة على أوسع نطاق ، فإن الحزب مطالب بتطوير أدائه الإعلامي ، وذلك من خلال :
- الإعداد لمشروع إعلامي متكامل .
- التحول من الإصدار الاسبوعي إلى الإصدار اليومي لجريدة الحزب المركزية .
- تنشيط موقع الجريدة على الإنترنيت ، من خلال وضع ” ماكيت ” للموقع وتشكيل هيأة مكلفة بتغذيته بالمواد والمعطيات .
- استخدام الموقع في التواصل مع الفروع والمراسلين .
- الاستفادة من جميع المنابر الصحفية الصديقة والحليفة ، وذلك بمدها ببيانات الحزب وبلاغاته، والسماح لها بالحضور في اجتماعات الحزب وانشطته المركزية والقطاعية والمحلية .
- تشجيع الجهات على إصدار جرائد جهوية .
- تطوير العلاقات مع مسؤولي القنوات التلفزية والإداعية ووكالات الانباء المغربية والعربية والدولية ، ومدهم بأخبار الحزب ومواقفه .
- إحداث مهمة الناطق الرسمي باسم الحزب.
- التفكير في إحداث إذاعة خاصة بالحزب .
- اللجوء إلى اعتماد الإشهار للتعريف بالجريدة .
- تأسيس شركة مساهمة من أعضاء الحزب في مجال الإعلام المتعدد الوسائط، تسهر على نشر الجريدة المركزية وبقية منشورات الحزب.
- تشجيع المراسلين على البحث عن الإعلانات والمواد الإشهارية وذلك بتكوينهم في الموضوع .
- تشجيع القطاعات الحزبية الأساسية ( التعليم ، الطلبة ، النساء … ) على إصدار منابر إعلامية خاصة، أو تنشيط ملاحق ضمن الجريدة المركزية للحزب .
- التفكير في إصدار مجلة دورية تعنى بالقضايا الفكرية والنظرية .
IV ) في المسالة المالية
بدون إحراز تقدم حقيقي في توفير الموارد المالية الضرورية ، فإن تأهيل الحزب يبقى مجرد حلم ، سرعان مايصطدم بصلابة الواقع. لذلك فإن التفكير الجدي والمتواصل في إيجاد صيغ مركزية ومحلية لتوفير نسبة من المداخيل القارة والمنتظمة للحزب ، لمن شانه أن يساعد على تحقيق وإنجاز العديد من الأهداف ، التي لم تنجز في السابق بسبب ضعف أو انعدام التمويل .
إن مسألة المالية هذا لمن الأهمية بمكان ، وكل تأخر في إبداع صيغ لدعم ميزانية الحزب ، سينعكس سلبيا على أدائه في المستويات السياسية والتنظيمية والإعلامية .
كما لا يجب أن نغفل الأخذ بعين الاعتبار التحولات الاجتماعية والثقافية العميقة التي يعيشها المجتمع المغربي ، والتي حكمت بتراجع قيم التضحية والتطوع والمساهمة المالية المنتظمة في تمويل ، ليس فقط الأحزاب ، وإنما حتى الجمعيات الثقافية والنقابية والسكنية وغيرها. حيث ترسخت نظرة معينة إلى الأحزاب السياسية لدى شرائح اجتماعية واسعة ، تجعل من الانتماء إلى الحزب فرصة للأخذ والحصول على الغنائم ، عوض المساهمة إلى جانب الحزب في الدفاع عن مشروع سياسي ومجتمعي معين .
لكل ذلك ، فإن التطورات المتلاحقة تفرض علينا مراكمة الخبرة في الجانب المالي ، بتخفيف الضغط على الأعضاء والفروع والهيآت ، وتوجيه التفكير والعمل معا ، إلى تعميق النظر والنقاش في المقترحات التالية :
- الإعلان عن الميزانية العامة للحزب في مطلع كل سنة ميلادية
- .الكشف السنوي عن مصاريف ومداخيل الحزب مركزيا ومحليا
- .ضبط مداخيل الحزب عن طريق إلزام جميع أعضاء اللجنة المركزية بدفع واجباتهم الشهرية إلى مركز الحزب .
- التفكير في مشاريع مالية صغيرة بمساهمات من أعضاء الحزب ، وتوزيع جزء من الأرباح على المساهمين لمن أراد أخذها .
- حث الفروع على ابتداع بعض المنتجات التي يذر ترويجها مداخيل مالية .
V ) خلاصات عامة
قد تكون هذه القراءة التشخيصية للأداء التنظيمي للحزب منذ تأسيسه ، قاسية نوعا ما، لكن الحقيقة، مهما كانت قساوتها تبقى ضرورية ، لأن الحقيقة ، ثورية كما يقال . ولأن أي مشروع لايمكن بناؤه على الأوهام ، فإن مصارحة بعضنا بثغرات حزبنا ونقاط ضعفه يدخل ضمن نطاق المسؤوليات الكبرى .
وهكذا يمكن التركيز على الخلاصات الأساسية التالية :
- إن حزب اليسار الاشتراكي الموحد ، منذ تأسيسه ، وعلى مستوى معظم حلقاته التنظيمية ، لم تتح له الظروف المناسبة لمباشرة عمله التنظيمي الحقيقي لأسباب متعددة ومتداخلة ، ورغم هذه الظروف الصعبة ، واصل الحزب عمله التنظيمي ، وإن كانت النتائج لم ترق إلى مستوى الآمال التي علقت على تأسيس الحزب .
- لذلك ، فإن الحزب مطالب بتأهيل وضعه التنظيمي ، برفع أداء الحزب ليرقى إلى مستوى التحديات المطروحة . وإن مباشرة عملية التأهيل هاته ، يجب أن تتقدم بالتوازي بين الجوانب التنظيمية والإعلامية والمالية ، وأن تكون ذات نظرة شمولية ونفس عميق .
إن تأهيل الحزب لايمكن أن يتم خارج إشاعة ثقافة تنظيمية حديثة قائمة على قيم المسؤولية والالتزام والتضحية ونكران الذات ، ومسترشدة بمبادئ العقلنة و التخطيط و التقييم ، بهدف رد الاعتبار للعمل الحزبي عموما ، وللعمل الحزبي داخل حزب اليسار الاشتراكي الموحد على وجه التحديد .
وثيقة النضال الاجتماعي والنقابي
وثيقة النضال الاجتماعي والنقابي
أولا : ( الإطار العام ).
يكتسي النضال الاجتماعي أهمية بالغة بالنظر إلى الارتباط الجدلي بين النضال السياسي وامتداداته الاجتماعية بمختلف واجهاتها وآليات اشتغالها .
ونظرا لأهمية الحركية الاجتماعية والمؤسسات النقابية والجمعوية المناضلة في سياقاتها والمؤثرة في مساراتها المختلفة، فإن مناضلي ومناضلات اليسار المغربي ظلوا أوفياء للالتصاق بحركية المجتمع متأثُرين بها ومؤثرين فيها عبر كافة المحطات والمنعطفات النضالية الكبرى في تاريخ المغرب الحديث .
واليسار الاشتراكي الموحد باعتباره احد التعبيرات التاريخية عن هذا اليسار المغربي الذي اختار بوعي وقناعة راسخين الانحياز الكامل إلى الطبقات الشعبية في المجتمع واحتضن بإخلاص وتفان حركية المجتمع المغربي في مدها وجزرها، يعمل اليوم – وهو يحضر لمؤتمره الوطني الأول – على توضيح تصوراته وتحليلاته وتحديد آليات اشتغال مناضليه في مجالات النضال الاجتماعي جمعوية كانت أم نقابية … وذلك في تفاعل وثيق مع هدف صقل الوعي النضالي وتجديد جذوته لدى مناضلاته ومناضليه بتحليل ملموس لواقع القطاعات والمجالات الحيوية والنابضة على الواجهة الاجتماعية كالبيئة والإسكان والتعمير والصحة والتعليم والتشغيل …
إن مؤتمرنا الوطني الأول إذ يخصص لهذه الواجهة الاجتماعية ورقة منفردة فذلك لوعي حزبنا بالمكانة الخاصة التي يحتلها النضال النقابي أو الجمعوي والقطاعي ضمن ثوابت رؤية أجيال اليسار.
وهكذا يتم تناول الإشكالات الكبرى والأسئلة العميقة التي يطرحها النضال الاجتماعي بمنهجية تحليلية تجعل الحزب مركزا يفعل وينفعل ويتفاعل مع الحركتين الجمعوية والنقابية من منظور عقلاني حديث ومتفتح سعيا دوما إلى تحسين تدبير علاقته بالنقابي والجمعوي دون أن يسقط في مطب الاحتضان والتوجيه والركوب على إنجازات الإطارات الجماهيرية المختلفة والسعي إلى تحزيبها، وهي منهجية ستبقى وفية للمنهج التحليلي الذي يرصد مسارات التحولات الاجتماعية العميقة التي تعتمد في أعماق المجتمع المغربي وكذا رصد اتجاهات التغيير الأساسية فيه.
على إنجازات الإطارات الجماهيرية المختلفة والسعي إلى تحزيبها و هي منهجية ستبقى وفية للمنهج التحليلي الذي يرصد مسارات التحولات الاجتماعية العميقة التي تعتمد في أعماق المجتمع المغربي وكذا رصد اتجاهات التغيير الأساسية فيه.
ولن يكون ذلك ممكنا إلا باستخراج الأسئلة الحقيقية التي تثيرها الأوضاع السائدة في تفاعلها الدينامي بما يعرفه المجال العالمي والجهوي من تحولات على كافة الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
إن الهدف الذي تتغياه وثيقة من هذا القبيل إنما يتمثل :
أ – من جهة في توضيح رؤية الحزب وتدقيق تحليلاته وضبط مواقفه في كل مجال من المجالات الحيوية ذات الطابع الاجتماعي كالسكن والبيئة والتعليم والصحة والتشغيل…
ب- ومن جهة ثانية في توضيح تصوراته عن نضال الإطارات الجمعوية والإطارات النقابية والسعي إلى توضيح العلاقات التي تربط نضالنا الحزبي بانخراط مناضلينا في تلك الإطارات ومقدار تأثيرنا في مسار نضالها واستعدادنا للتأثر بها في اتخاذ المواقف والدفاع عنها.
إن ضبط هذا التصور هو الذي سيسهم في مساعدة حزب اليسار الاشتراكي الموحد على تجذير موقعه بين الجماهير الذي ظل وسيظل دوما منحازا لها ولمصالحها.
كما أن رسم العلاقات وتحديد المسافات الفاصلة بين الحزبي والجمعوي، والحزبي والنقابي، هو الذي سيمكن الحزب من خدمة حركية المجتمع والتجاوب معها وخدمة قيم التحديث والدمقرطة وترسيخ ثقافة المواطنة التي لاتمر حتما عبر مسار التحزيب والاحتضان والتوجيه وتطويع أدوات المجتمع لتكون أدوات طوعية رهن إشارة الحزب أوتابعة له.
إن التوجه نحو لامركزة هذه العلاقات هو الكفيل وحده بخدمة مسار النضال الاجتماعي الذي لا يستغني عن دعم المناضلين والإطارات الحزبية دون أن يكون طوع أيديها.
كما أن تحديد هذا التصور هو الذي سيسلح مناضلي حزبنا والمتعاطفين معه بالرؤية الواضحة عن المواقف المحددة في مواقع تواجدهم وفعلهم، وبالتالي فإن وثيقة من هذه الطبيعة ستكون أداة للتكوين والتوعية وحسم تصورات الحزب على قاعدة الوضوح المساهم حتما في توحيد الرؤى وانسجام المواقف في خنادق النضال المستديم.
كما أن هذا التصور سيجعل من القطاعات الحزبية الموازية للشباب والنساء والطلبة أدوات فاعلة في الحركية الاجتماعية بوعي كامل ووضوح تام.
وبالتالي فإن تصورا من هذه الطبيعة في أبعادها الثلاثة : المجالات الاجتماعية / الحركات النقابية / الحركات الجمعوية سيمكن من توضيح الرؤية في القطاعات الموازية التي تعتبر الضامن الأساسي لتطعيم رؤية الحزب في كل مجال وإغنائها بأحدث المستجدات بعد القيام بمجهودات دائبة ومستمرة من أجل تشخيص الأوضاع المستجدة في كل قطاع وتحليل معطياتها وتلمس مظاهر التغييرات والتحولات الطارئة عليها واستخلاص ما تضعه من مهام على عاتق المناضلات والمناضلين برؤية حزبية تنير طريق النضال بشكل جلي وواضح.
لكل هذا وتجاوبا مع الهم الاجتماعي لحزب اليسار الاشتراكي الموحد فإن هذه الوثيقة ستتناول:
1 ) ورقة حول المجالات الاجتماعية تتضمن أوراقا تفصيلية في المجالات التالية :
أ – الإسكان والتعمير وفيها تحليل للوضعية وتدقيق لرؤى الحزب في المجال.
ب- البيئة وفيها وصف لأوضاع البيئة في المغرب ومقترحات المخارج من الوضع الحالي.
ج- الصحة وفيها تحليل مفصل للأوضاع وملامح السياسة الصحية وتصورات الحزب.
د- التعليم وفيها شقان الأول حول السياسة التعليمية مع التركيز على التصورات والمرتكزات الكبرى وأوضاع التعليم الابتدائي والثانوي والإعدادي والتأهيلي والشق الثاني خاص بالتعليم العالي وفيه تحليل الوضعية وتصورات الحزب.
ه- الثقافة وفيها تحليل لأوضاع الثقافة في المغرب وملامح تصورات الحزب.
و- التشغيل ويتضمن تحليل سياسة التشغيل المتبعة وتصورات الحزب ومقترحات المخارج.
2 ) ورقة حول العمل النقابي / وتتضمن تحليلا للأوضاع النقابية وتصوراتنا للعمل النقابي ورهاناتنا.
3 ) ورقة حول العمل الجمعوي / وتتضمن تحليلا للعمل الجمعوي وآليات اشتغاله ورهاناتنا.
4 ) ورقة حول العمل النسائي / وفيها تحليل لأوضاع المرأة والتصورات النضالية للحزب.
5 ) ورقة حول المسألة الحقوقية / وتتضمن الموقف من كيفية معالجة الانتهاكات الجسيمة وتصورات الحزب.
وكلها أوراق تحاول أن يحكمها خيط ناظم يعنى بتحليل الأوضاع الداخلية في كل مجال ورصد أهم مميزاته وتحديد تصوراتنا ومواقفنا منها وكذا تحليل عميق لآليات اشتغال كل من العمل الجمعوي والعمل النقابي وتحديد أدوات تعاملنا معها بما يخدم أهداف الجماهير المغربية ويرسخ قواعد الدمقرطة والتحديث والعقلنة.
وإننا إذ نطرح هذه الأوراق للنقاش بين الرفيقات والرفاق فإننا نأمل أن تكون المقترحات والتعديلات دقيقة تمكننا في المرحلة القادمة من صهر كافة الوثائق في تصور ناظم ومنسجم وموحد يخدم المرحلة التي يمر منها حزبنا.
وثيقة النضال الاجتماعي والنقابي : التعليم
وثيقة حول السياسة التعليمية
أولا : أهمية التعليم كاستثمار استراتيجي :
من المسلم به في ظل التحولات العالمية الراهنة والثورات الإعلامية والتكنولوجية أن التعليم أضحى اليوم في صدر الاهتمامات وفي مقدمة الخدمات الأساسية التي تستهدف التقدم المتكامل وتستشرف آفاق التنمية الشاملة وذلك لما يلعبه من دور وازن في القضاء على الأمية وإعداد أبناء الشعب للمساهمة الفاعلة في التنمية والبناء، مسلحين بالمتطور والمشرق من القيم الروحية والأخلاقية والوطنية والإنسانية. من هنا تبرز أهمية الرهان على التعليم باعتباره قاطرة للتنمية ورافعة أساسية من رافعات التقدم المنشود.
لذلك تشكل المسألة التعليمية إحدى المسائل الاجتماعية الجوهرية التي تستأثر باهتمام كافة شرائح المجتمع المغربي، بل إن هذه القضية ظلت محورا نشيطا ضمن محاور الصراع بين الحكم والمعارضة على امتداد سنوات طوال، حتى إنه يمكن القول بأن تاريخ التعليم الحديث بالمغرب هو نفسه تاريخ الصراع السياسي والاجتماعي بتمايزات طفيفة.
ونظرا للأهمية الكبرى التي تختص بها المسألة التعليمية عند كافة فئات وطبقات الشعب المغربي والتي كانت تنظر إلى التعليم كسبيل لتحسين أوضاعها الاجتماعية فقد أولت مكونات وأجيال اليسار الاشتراكي الموحد اهتماما خاصا لهذا الملف وانحازت فيه إلى جانب الشعب انحيازا كاملا؛ وراكمت لذلك أدبيات في المجال لها وزنها التاريخي والسياسي. لكل ذلك ظل التعليم وسيبقى في نظر اليسار الاشتراكي الموحد استثمارا استراتيجيا تسترخص في سبيله كل التضحيات مهما بلغت، وبالتالي على الدولة أن تتحمل كامل مسؤولياتها وتبدل كامل جهدها من أجل تمكين هذا القطاع الحيوي من لعب دوره المركزي في تأهيل البلاد ومساعدتها على الاندراج في مستلزمات التحديث والعصرنة عوض إعادة إنتاج نفس الإختلالات التاريخية التي جعلت هذا المجال يخفق في مساعدة المجتمع على إرساء دعائم التنمية الشاملة وتحقيق تطلعاته المشروعة لمواجهة التحديات العلمية والاجتماعية والاقتصادية وقد ظل هذا الموقف الذي يعتبر التعليم استثمارا استراتيجيا مناقضا لرؤية الحكم الذي ظل يدعي أن التعليم ليس إلا قطاعا مستهلكا، حيث آل الصراع أخيرا إلى الاعتراف بكون التعليم خيارا استراتيجيا وقاطرة فعلية للتنمية.
واليسار الاشتراكي الموحد حين يفكر بعمق في المسألة التعليمية فإنه يربط بوضوح كامل العلاقات المتشابكة بين الوضع العام للمجتمع المغربي ووضع منظومته التربوية فأزمة التعليم ليست إلا بعضا من الأزمة الشاملة والمأزق الذي وصل إليه التعليم المغربي ناجم بالأساس عن تراكم الأزمات المتوالية التي تعقد لحلها هيئات خارج المؤسسات الدستورية وعلى رأسها المجلس الأعلى للتعليم الذي نراه الإطار الشرعي للإشراف والتوجيه في هذا المجال بعد إعادة تركيبه وتنظيميه وضبط قوانينه.
ثانيا : المبادئ والمرتكزات الأساسية:
لقد ظل النقاش حول المسألة التعليمية بالمغرب رهبنا لزمن طويل يتجاذب المواقف حول المبادئ الجوهرية التي يلزم أن تتأسس عليها السياسة التعليمية منذ انعقاد اللجنة الملكية الأولى لإصلاح التعليم سنة 1957، حيث تم إقرار التعميم والمجانية والتعريب والمغربة كمبادئ أساسية معززة بالإلزامية والتوحيد، وظل الصراع متمحورا حول مدى الوفاء لهذه المبادئ وطرق تطبيقها، وإذا كنا نؤكد اليوم على الأهمية التاريخية لتلك المبادئ فإننا نرى أن الأهم هو بناء استراتيجية مستقبلية تستقطب دعم كافة مكونات الشعب المغربي وتضمن تحيين المبادئ التاريخية في عمقها وحمولاتها بما يتلاءم مع المستجدات السياسية والاجتماعية والثقافية لشرائح المجتمع المغربي وتطعيمها بمبادئ أخرى كالدمقرطة والتحديث والملاءمة والدفع بخطة محاربة الأمية إلى مستوى المبدأ الوطني الذي يستلزم التجنيد الوطني الشامل للتخلص من هذا العار، ومن ذلك ضرورة التركيز على مبدأ:
2-1 تكافؤ الفرص:
فإذا كنا نعتبر مبادئ التعميم والإلزامية والمجانية أبعادا ثلاثة لقضية تربوية واجتماعية واحدة تتمحور حول واجب نشر العلم والمعرفة وإكساب المواطن القيم الأساسية والمعارف اللازمة في مجالات الفكر والعمل وخلق الشخصية المتوارثة القادرة على المبادرة والعطاء.
وبما أن تعميم العلم والمعرفة يعتبر حقا دستوريا وحقا أساسيا من حقوق الإنسان فإنه يلزم أن يكون أولوية الأولويات توفر له كافة الإمكانيات التي تجعل منه أساسا ينبني عليه تكافؤ الفرص بين المواطنين لا أن يكون تعليما محسوبا او تعليما يجري وراء الكم على حساب الكيف، وإذا كان الميثاق الوطني للتربية والتكوين قد أكد على أهمية التعميم وحدد له مواعيد معينة منذ التعليم الأولي (سن الرابعة) فإن ما ينجز اليوم على أرض الواقع في إطار ما يسمى (أجرأة الميثاق) ليس إلا نوعا من تعميم الرداءة بعيدا عن التصورات التي جاء بها الميثاق الداعية إلى تعميم المدرسة الجيدة العمومية الحديثة والقادرة على التنافس َ!!، رغم أهمية الوصول إلى النسبة المعلنة 92.11% بما يغطي : 3.846.950 بالابتدائي و 1.134.152 بالإعدادي و 573.648 بالثانوي.
إننا حين نؤكد على اعتبار التربية والتعليم أولوية وطنية بعد القضية الوطنية، فإننا نتصور اهتماما مجتمعيا متضافرا لمصلحة المدرسة العمومية الجيدة والمنافسة سعيا وراء تحقيق تكافؤ الفرص بين أبناء المغاربة أيا كانت مواقعهم الاجتماعية وانتماءاتهم الطبقية.
و من هذا المنطق نشدد على مبدأ المجانية الذي نراه مدخلا ضروريا لتحقيق تكافؤ الفرص خاصة بعد أن اعترفت الدولة بكون التعليم مجالا للاستثمار في العقل البشري بعد أن كانت لزمن طويل تصارع من أجل الإقناع بفكرة أن التعليم مجال للاستهلاك ينبغي التخلص من تبعاته المادية!، إننا نلاحظ في ظل وضع تعليمي يوصف بكونه قائما على المجانية رغم علمنا بمساهمة الأسر المغربية في جزء كبير من تكاليف ومصاريف تعليم أبنائها أن نسبة الأمية ظلت مرتفعة بشكل مخجل، فكيف لسياسة تعليمية فشلت في تحقيق تعميم في ظل المجانية النسبية أن تحقق تقدما في هذا المجال وهي ترفع شعار التراجع أو التخلي ولو الجزئي عن المجانية؟ أم أن الخلفيات التي تحكم مواجهة هذا المبدأ لاتعدو أن تكون خلفيات مالية تهم مجال النفقات وتنصاع لتوصيات الأبناك و الصناديق الدولية التي ترهن حاضر ومستقبل البلاد؟؟.
إن اليسار الاشتراكي الموحد حين يتشبث بمبدأ المجانية ويربطه بالتعميم والحق في التعليم وتكافؤ الفرص، فإنما يؤكد بذلك قناعة تاريخية وسياسية في أن ضرب المجانية ليس إلا مدخلا للإقصاء ولإعادة إنتاج تراتبات الاجتماعية القائمة ضدا على مبدأ الدمقرطة وتكافؤ الفرص. كما يأتي ذلك التشبث انطلاقا من تأكيدنا على أن بلدنا لا ينبغي أن يعمق أسباب التخلف، ولا نريده أن يتعارض ومتطلبات العصر العلمية والمعرفية القائمة على العنصر البشري.
كما لا نريد لمغربنا أن يضع نفسه في تناقض مع المواثيق الدولية التي تهم حقوق الإنسان وحقوق الطفل.
ومن المسارات التي تراكم في اتجاه تكافؤ نسبي للفرص مسار التربية غير النظامية التي تستقطب الفئات العريضة من الأطفال الذين حرموا من حقهم في التمدرس أو تسربوا لأسباب متنوعة من المنظومة التربوية ويفوق عددهم مليونا ونصف مليون طفل وطفلة في سن التمدرس، وتقدم لهؤلاء المحرومين من حقهم فرصة ثانية للاستدراك وقد عملت في هذا الإطار العديد من الجمعيات ومؤسسات “المجتمع المدني” ولو لأهداف تجارية أحيانا بوظائف مهمة ولكنها على ارض الواقع غير كافية وهنا لابد أن تتحمل الدولة مسؤولياتها كاملة بوضع استراتيجية واضحة ودقيقة وطويلة النفس و تشجيع لأحزاب الوطنية والتقدمية على القيام بأدوار طلائعية ونضالية في هذا المجال.
وفي هذا الصدد لاشك أن مناضلي اليسار الاشتراكي الموحد سيوظفون كفاءتهم وتراكماتهم في إبداع صيغ وأساليب جديدة وجريئة للعمل في هذه الواجهة التي لاتقل عن واجهة محاربة الأمية التي تحتاج بدورها إلى استراتيجية وطنية شمولية وبعيدة المدى وتوفير كافة الوسائل والإمكانات للتقدم في اتجاه القضاء على هذه
الآفة التي تلطخ صورة الوطن وتجعله في الرتبة 125 بين الدول حسب دليل الأمم المتحدة للتنمية.
وفي نفس النهج المؤدي إلى تكافؤ الفرص يطرح اليسار الاشتراكي الموحد ضرورة العناية بتوسيع قاعدة التعليم الأولي الذي لا يغطي حاليا سوى 683.540 طفلا وطفلة وإيلاء الاهتمام لدوي الحاجات الخاصة من المعاقين وغيرهم ومراعاة
أوضاعهم، وكذا أبناء الجالية المغربية بالخارج الذي تقتضي المصلحة الوطنية حماية أجيالهم من التغريب والحفاظ على هويتهم المغربية المتفتحة، لذا على النظام التعليمي أن يكثف من جهوده عبر أشكال متعددة ومبدعة لتحقيق هذا الهدف النبيل.
2-2 تطوير بنيات النظام التربوي وآليات اشتغاله:
إن تحقيق هذه المبادئ وتفعيل مختلف الأهداف المرجوة إنما تمر عبر تعبئة شاملة تستهدف فيما تستهدفه:
أ – انسجام مكونات المنظومة التربوية من الأولي إلى العالي.
ب- إصلاح المناهج والكتب المدرسية.
ج- بلورة سياسة تعليمية واضحة ومستقبلية في لغة التدريس وتدريس اللغات.
د – تحسين الفضاءات المدرسية باعتبارها مجالا أساسيا للإصلاح المنشود.
2-3 تحفيز الموارد البشرية:
من المرتكزات الأساسية التي يبقى كل إصلاح مستقبلي رهبنا بها العناية بالموارد البشرية على اختلاف مستوياتها ومهامها وضمان استقرارها والرفع من وثيرة استشارتها وإشراكها في تدبير شؤونها وتحفيزها بتحسين الأوضاع المادية والمعنوية وتمكينها من تكوين مستمر وظيفي ونافع، وكلها عوامل ستساهم حتما في الرفع من مستوى هذه الموارد وحثها على القيام بوظائفها النبيلة على أكمل وجه، وفي هذه الشروط سيكون لتقديم الخدمات الاجتماعية وتحسينها اثر فاعل وإيجابي إذا ما اسند تفعيلها بتدبير لامركزي وديمقراطي ومرن ومتطور.
2-4 الجهوية واللامركزية:
لاشك أن السير الحثيث نحو اللامركزية واللاتمركز يعتبر خيارا استراتيجيا يحتاج اليوم إلى توفير كافة الشروط ليرسى على قواعد سليمة تخدم أهداف سياسة القرب ويأتي إرساء الجهوية على دعائم قويمة في مقدمة هذا الخيار الذي يلزم بتوفير كافة الشروط الضرورية لقيام هذه الجهوية التي لا ينبغي بأي حال من الأحوال أن تتحول إلى مركزية عقيمة في الجهة تخلق انطلاقة اللامركزية إلى مداها.
وفي غياب بلورة حقيقية مبدعة لهذه المبادئ والمرتكزات لن تكون إلا أمام آليات لإنتاج وإعادة إنتاج نفس العلاقات ونفس التراتبات التي ولدت الأزمات العميقة الحالية، إن الإصلاح الذي نراه للمنظومة التربوية المغربية لم يكن ولن يكون أبدا مجرد رتوشات وإجراءات شكلية كما هو الحال الآن، بل نراه إصلاحا جذريا متسلحا بالحداثة والعقلنة قادرا على تأهيل تعليمنا وتحديثه ليكون قاطرة حقيقية للتنمية وسبيلا سالكا في اتجاه العلم والتقدم والدمقرطة الحقيقية.
ختاما:
إذا كان سؤال التنمية الشاملة و المتكاملة سؤالا يمس في العمق وجودنا وقيمنا وحضارتنا وهويتنا الثقافية والدينية، وإذا كان العصر الذي نعيشه بكل تجلياته عصرا للتحولات الكبرى الاقتصادية والسياسية والفكرية والإيديولوجية، وعصرا يتأسس على الإنسان في علاقته بمجالات المعرفة والعلم والتكنولوجيا ووسائل الاتصال المتطورة، وإذا كان من غير الممكن لنا كبلد وكشعب أن ندخل هذا العصر إلا عبر بوابة التقدم والتنمية بما يحتله ذلك من دلالات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وعلمية.
فإننا مطالبون بإيلاء كامل العناية لإصلاح منظومتنا التربوية وستظل المسالة التعليمية وأوضاع نظامنا التعليمي وما تتطلبه من إصلاح جزءا من هذا الكل ولكن أيضا أداة من شأنها أن تساهم في تهيئ الإنسان ليحيى كل أبعاده باعتباره كائنا مفكرا وكائنا منتجا وكائنا سياسيا وكائنا اجتماعيا.
إن اليسار الاشتراكي الموحد حين يضع في صلب اهتماماته عنايته الكاملة بالمسألة التعليمية ويعتبرها أولوية وطنية تستحق التجنيد المجتمعي ـ فلأنه يؤمن بالدور الوازن الذي يمكن أن تلعبه التربية والتعليم كقاطرة أساسية وسريعة للتنمية نحو الوعي والعلم والتقدم والنماء.
وثيقة النضال الاجتماعي والنقابي: السكن والتعمير
ورقة حول: السكن والتعمير
مدخل :
عرف المغرب منذ سنة 1960 ويعرف اليوم تطورات متسارعة في نمو الساكنة المغربية من حيث النمو الديمغرافي والتوسع السكني والعمراني في المجالين الحضري والقروي ، مست في العمق أسس التنمية الاقتصادية والاجتماعية ببلادنا ، وغيرت هذه التحولات العديد من طموحات المجتمع المغربي في اختياراته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية منذ 45 سنة ، وكذلك تراجعا مهولا في معايير المواطنة وخاصة أننا في وطن لا يضمن الحد الأدنى في الاعتبار المعنوي من خلال السياسة السكنية والتعميرية المتبعة بهذه البلاد ، تم ذلك في إطار تراجع المؤشرات الاقتصادية وتفاقم المشاكل في الوضع الاجتماعي أثرت هذه التراجعات بشكل سلبي على حياة وكرامة المواطنين الذين لهم الحق في السكن والاستقرار مع أسرهم في مسكن لائق يتوفر على شروط الصحة والراحة … .
السياسة السكنية والسكن:
يمكننا كيسار اشتراكي موحد أن نلامس سمات هذا الوضع الاجتماعي على مختلف المستويات والتي لها ارتباط أعمق بحياة المجتمع المغربي وعموم المواطنين ببلادنا وخاصة أزمة السكن وإشكالية التعمير.
من الطبيعي أن يتأثر توزيع المجال السكني من التحولات بارتفاع متوسط للكثافة السكانية وتفاوتات في النمو الديمغرافي حسب المدن والقرى والجهات والتوزيع الجغرافي وتنامي حركات الهجرة الداخلية بين القرى والمدن .بالنسبة للنمو الديمغرافي قد تضاعف عدد السكان بالمغرب ثلاثة مرات في أقل من نصف قرن من 11.6 مليون نسمة سنة 1960 إلى 24.07 مليون نسمة سنة 1994 حسب نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى 1994 ، هذا النمو مازال يزداد خلال السنوات الأخيرة ؛ هذا النمو السريع يخفي خصاصا فضيعا يشوش على معايير ووظائف كل مدينة حيث تشكو المدن من النقص في التجهيزات 50.60% من الأسر الحضرية تعيش في مساكن لا يزيد عدد هجرتها على غرفتين وهناك أسر مازالت تقطن بمساكن مبنية بأحجار وطين وقصدير على أحزمة المدن الكبرى وفي القرى نسجل كيسار اشتراكي موحد أن السياسة السكنية التي مارستها وتمارسها الدولة خلال هذه السنوات في تطوير مجال السكن وخلق إنعاش سكني للمواطن في إطار عقد اتفاقيات مع المؤسسات التمويلية وآخر اتفاقيات اجتماعية مع الفاعلين الاجتماعيين، وساهمت الدولة كذلك في تشجيع تأسيس مؤسسات الأعمال الاجتماعية والتعاونيات السكنية والوداديات والجمعيات التي تهتم في مجال السكن وخلق وكالات وطنية إيمانا منها للحد من أزمة السكن، هذه التوجهات الرسمية ، مازالت ملامحها غير واضحة ، بحيث السياسة السكنية تحتاج إلى مزيد من الدمقرطة والشفافية و محاربة مختلف أنواع الانحراف والاحتكار .
إن الدور الحقيقي الذي يجب على الدولة أن تلعبه في مجال السكن توفر حق الاستقرار للمواطن ، لأن مسالة السكن أصبحت تسنها التشريعات الدولية باعتبارها حق من الحقوق الضرورية للمواطن ، عليها كذلك معالجة مختلف المعوقات التي تعرقل الحصول على مسكن ملائم مع ضرورة القيام بتنسيق مستمر مع الفاعلين في المجال السكني والمجال التعميري لدراسة السبل الأساسية لتسهيل شروط التملك لسكن كريم لمواطن له كرامة .
إن اليسار الاشتراكي الموحد خلص إلى التركيز على النقط التالية :
1 تغيير السياسة السكنية في بلورة الاتفاقيات الوطنية في مجالي السكن والتعمير مع الدولة و الشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين في سن مساطر واضحة والاستفادة من جزء من التمويل .
2 التركيز على الخيار الاقتصادي – الاجتماعي كمنطق لدعم الفكر التعاوني والتربية المجالية وتفعيل البرامج الجديدة لتهيئ المناطق الحضري الرامي إنعاش إنتاج السكن الاجتماعي والاقتصادي داخل المدن .
3 إصدار نصوص قانونية تنظيمية خاصة بالتعاونيات السكنية والجمعيات المهتمة بمجال السكن مراعاة لخصوصياتها وذلك من أجل حل إشكالية توفير السكن
4 توفير الضمانات المسطرية والتمويلية والعقارية و الإدارية لمواجهة الخصاص الملحوظ في ميدان السكن الاجتماعي والاقتصادي وإنعاش السكن .
5 تبسيط مسطرة الحصول على الأراضي الصالحة للبناء ولاسيما تلك العائد لأملاك الدولة ( من أراضي التابعة للأملاك المخزنية ، أراضي الجماعات ، أراضي الوقف …( .
6 توحيد مسطرة الضرائب والرسومات الجبائية المفروضة على قطاع السكن في ضريبة واحدة مع تقويم بعض الثغرات التي شابت القانون الجبائي ( ـ وضع قانون جبائي جهوي ـ ) .
7 ضرورة انفتاح المؤسسات والجماعات المحلية والمؤسسات التمويلية العاملة في المجال العقاري على محيطها الاجتماعي والأخذ بعين الاعتبار البعد التنموي للعملية السكنية والعمل على تطوير قدراتها المعمارية وتفعيل اتفاقيات التمويل السكن بين شركاء الدولة كالقرض العقاري والسياحي والشركات الوطنية للتجهيز والبناء … .
8 إحداث صندوق خاص للتنمية السكنية على غرار ما هو معمول به في بعض البلدان من أجل محاربة الصفة الاحتكارية في المجال وخاصة المضاربات العقارية والمؤسسات التمويلية … .
9 وضع برامج مشتركة بين مؤسسات الدولة والإطارات (الجمعيات ـ التعاونيات …) للاستفادة من الصفقات العمومية والصفقات الخصوصية التي تهتم بالسكن للمواطن وذات الدخل المحدود وتعميمها على كافة المتضررين من السكن غير اللائق .
10 الرفع من نسبة القروض الممنوحة لتمويل المشاريع السكنية وتخفيض الفائدة لذوي الدخل القار والاستفادة من نسبة 2% من ميزانية التجهيز .
المجال السكاني والسياسة التعميرية :
لابد أن نسجل أن المسألة العمرانية مرتبطة أساسا بالمجال السكني ، عرفت بلدنا منذ بداية سنة 1982 توسعا عمرانيا متسارعا أملته مجموعة من الظروف الموضوعية وأهمها تزايد الساكنة ثم انفتاحها على أفواج النازحين والوافدين من المناطق القروية حسب الظروف الفلاحية العصيبة خلال الثمانينيات بالإضافة إلى الكوارث الطبيعية … هذه المعطيات سهلت بشكل كبير عمليات البناء والتشييد وأفرزت مجموعة من الأحياء الجديدة غير المجهزة وتجزيئات سكنية على جنبات المدينة لتخفيف الضغط الحاصل عن المركز ، لكن هذا التوسع كان أساسا على حساب المناطق الفلاحية والمساحات الخضراء المحيطة بالمدن الكبرى والمتوسطة ، ووضع تصاميم التهيئة وإعادة التهيئة لحد استنزاف هذه المساحات الخضراء.
إن أغلب المدن المغربية لها خصوصيات مختلفة للتوسع العمراني حيث تشمل المدار الحضري والدواوير المجاورة لها . إن اليسار الاشتراكي الموحد يدرك جيدا هذه المعوقات في غياب إستراتيجية واضحة للدولة، وتنامي ظاهرة البناء العشوائي غير القانوني ، وبناء أحياء الصفيح تبعا لغياب التصاميم ووثائق التعمير ، في حالة وجود هذه الأخيرة ، فإنها تواجه بالتراضي في تدبير الآليات الانتخابية والمضاربات العقارية لتعجيلها ، هذه الخروقات تؤدي إلى نوع من التصدع في الأنشطة الحضرية والقروية وتفكك المقومات الرئيسية في المجال البيئي والمجال العمراني للمدينة وتناثر الأحياء في غياب التجهيزات الأساسية وإشكالية التحفيظ العقاري وتعقد مساطر حيازة الأراضي وحدة المضاربة العقارية وأشغال البناء ونهب أراضي الأملاك المخزنية والتابعة للدولة وتفويتها لمجموعة من المفسدين ، مما يعكس كذلك التمادي على القانون وعدم الامتثال لسلطته والاستخفاف بأحكامه .
كذلك تهميش العالم القروي من خلال انعدام الديمقراطية والشفافية والكفاءة العلمية في المجال المعماري وتخبط التدبير العمراني في العديد من المشاكل والمعوقات تخلقها الطبيعة الجغرافية وغياب آليات المشروع القانوني المنظم للوضع القروي في مجال الإسكان والتعمير ، وانعدام أساليب التتبع وبطء مساطر المصادقة على وثائق التعمير مما يؤدي إلى استفحال ظاهرة البناء غير المنظم وتفشي الانتفاعية على مستوى المجالس الانتخابية وغياب إستراتيجية تنموية واضحة في العالم القروي ؛ فإن المساكن المشيدة بالمواد الصلبة تشكل تقريبا حالة استثنائية ، وإن تقريبا جل الأسر تقطن في مساكن من الطين والقصب والخشب حسب طبيعة المنطقة .. وفي تقييمنا كيسار اشتراكي موحد لهذه القضايا نلخصها في الاقتراحات والملاحظات التالية :
1 عدم احترام الخصوصيات العمرانية ونشير أن التجمعات السكنية والتجزيئات أصبحت عبارة عن صناديق إسمنتية تأوي عائلات لا تمت بصلة بالثرات المعماري المغربي مما يعكس سلبا على البيئة العمرانية لذا نقترح توظيف المجال التعميري والمعماري في إطار منهجية علمية واضحة تحافظ على تراثنا المغربي ومسايرة متطلبات العصر .
2 ترسيخ مفهوم المقاولة المواطنة وذلك بواسطة وضع برنامج عمراني يزود السوق العقارية بسكن لائق يطبق الجودة الملائمة لشرائح اجتماعية من جهة و من خلق فضاء عمراني يواكب السكان تلبية الحاجيات السوسيو اقتصادية للمدن وخلق قطب عمراني موحد لتنظيم تكتلات عمرانية إيجابية.
3 احترام المعايير التعميرية عن طريق تصميم حضري متكامل يخلق قطبا للسكن الاجتماعي تتجمع فيه ساكنة نشيطة تساهم في نمو الحركة الاقتصادية.
4 عدم ملائمة قوانين التعمير وآليات للوضعية الاقتصادية والاجتماعية لفئة عريضة من المجتمع.
5 ضعف انخراط النظام البنكي في تمويل السكن والتوزيع غير العادل للقروض بين مختلف المتدخلين في مجال السكن وبين مختلف الفئات حسب الدخل الفردي .
6 ضرورة مساهمة الدولة في الجهة التي تقوم به مؤسسات شبه عمومية كالمؤسسات الجهوية للتجهيز والبناء من أجل تخفيض التكلفة في مجال السكن .
ختاما :
إن مسالة السكن والتعمير مشكلا هيكليا يجب التصدي للإختلالات التي تقتضي سياسة جدرية لبناء وطني تنصهر فيه المستويات الثلاث المحلية والإقليمية والجهوية وربطها للمساهمة في الرؤية الواضحة والشفافة في المشاريع التنموية التي ستسير عليها البلاد .
ومن أهم الإشكالية والعوائق التي تطرحها السياسة السكنية والسياسة التعميرية ، تراكمات هذه الوضعية على صعيد مسألة التوازنات الماكرو اقتصادية والتوازنات الجهوية ، الوطنية ، بحيث تكون الجهة متكافئة ، حيث تنجح في الحفاظ على نموها السكني والمعماري ، وبالتالي تصبح الهجرة دلالة على عدم التوازن ، لذا يتطلب معالجة ذلك بنهج رؤية جديدة بعيدة عن المقاربة التقنية والرقمية التي سادت لعقود والتي اعتبرت المجتمع والمجال السكني والتعميري ميادين لتطبيق سياسات فوقية واحتكارية حول المضاربات العقارية والتمويلية ، فيما خلق التفاوتات والتباينات بين الجهات والمناطق وبين كافة المواطنين ببلدنا .
إن المجتمع المغربي في أمس الحاجة إلى ثقافة ديمقراطية وحداثية لإصلاح الأوضاع الاجتماعية وللنهوض بالعمل الاجتماعي باعتباره دعامة أساسية للارتقاء بالعنصر البشري اجتماعيا واقتصاديا، هذه التوجهات الرسمية ، ماتزال ملامحها غير واضحة ، بحيث السياسة السكنية تحتاج إلى مزيد من الدمقرطة والشفافية ومحاربة مختلف أنواع الانحراف والاحتكار …
وثيقة النضال الاجتماعي والنقابي: البيئة
ورقة حول البيئة
I -تقديم :
لقد تزايد اهتمام المجتمع الدولي بصفة عامة والمغربي بصفة خاصة بإشكالية البيئة مما جعلها تحتل موقعا متميزا ضمن النقاشات المتعلقة بسياسات وإستراتيجية التنمية، وقد فرضت هذا التموقع عدة عوامل من أهمها التدهور البيئي، وتكاثر بؤر التلوث على الصعيد العالمي، مما أثار تساؤلات حول مستقبل ومصير الحياة والبيئة فوق كوكب الأرض، ولقد تم التعبير عن هذا الهاجس في قمة الأرض حول البيئة والتنمية التي انعقدت بريودي جانيرو سنة 1992، ولقد برز على مستوى العالمي توجه يعتمد على مقاربة إدماج البعد البيئي في مسلسل التنمية من خلال مفهوم التنمية المستديمة الذي يكرس العلاقة بين البيئة والتنمية ولقد اعتمد المغرب رسميا هذا التوجه بتوقيعه على المـذكـرة 21 أو برنامج العـمل البيئي الدولي ومصادقته على الاتفاقيات الدولية المنبثقة عنه.
ومن المعلوم أن المغرب عرف تدهورا ملموسا للبيئة نتيجة التزايد الديمغرافي واتساع المجال الحضري والنمو الاقتصادي والضغط على الموارد الطبيعية وتدهور المشهد الحضري وانتشار الأحياء الهامشية إضافة إلى التدهور الكمي والكيفي للموارد المائية وتهديد التنوع البيولوجي وتراجع الغابات وانجراف التربة واحتداد ظاهرة التصحر وتزايد أشكال التلوث وانعكاس كل ذلك على الإطار المعيشي والصحي للسكان .
وتظل الوضعية البيئية بالمغرب مقلقة خاصة مع غياب آليات تشريعية واقتصادية و إعلامية تتسم بالنجاعة والفعالية إضافة إلى أن تشعب قضايا البيئة واختلاف مصادرها وتعدد المهتمين بها يجعل منها مسؤولية الجميع مما يستلزم تكثيف مجهودات كل القوى الحية بالبلاد من أجل بناء بيئة سليمة وفي هذا الإطار تعتبر الشراكة مع المنظمات غير الحكومية محورا أساسيا لتنفيذ السياسة البيئية كما تجدر الإشارة إلى المجهودات التي قامت بها مجموعة من الجمعيات لحماية البيئة وفضح كل الممارسات المضرة ببيئتنا .
II –معطيات عامة حول الوضع البيئي بالمغرب :
تتجلى أهم المعطيات والمؤشرات البيئية في :
- المساحة العامة للمملكة 710850 كلم2 ؛
- السواحل : المحيط الأطلسي 2934 كلم2 ، البحر الأبيض المتوسط 512 كلم2؛
- عدد السكان 29631000 نسمة ؛
- نسبة نمو السكان 1,6 % (1994-2002) ؛
- نسبة الساكنة الحضرية في محور البيضاء القنيطرة 37,3 % (2002) ؛
- نسبة التمدن 56,6 % (2002) ؛
- الناتج الداخلي الخام 397.781,9 مليون درهم (بالأسعار الجارية) ؛
- نسبة نمو الناتج الداخلي الخام 2,6 %(المعدل السنوي ما بين 1990 و2000)
- معدل الحياة 70 سنة ؛
- نسبة الحضارة في المجال الحضري (15 سنة وما فوق 18,3 %) ؛
- نسبة الأمية عشر سنوات وأكثر 45,6 % ؛
- نسبة الوفيات عند الأطفال أقل من 5 سنوات 45,8 لكل ألف ولادة ؛
- نسبة الساكنة التي تعيش داخل عتبة الفقر 19 % ؛
- نسبة التمدرس الصافي في الابتدائي 92,1 % (2002-2003) ؛
- نسبة السكن الغير اللائق 11,5 % .
* الخدمات الاجتماعية الأساسية :
- – نسبة التزود بالماء الصالح للشرب في المجال القروي7.8 % ؛
- – نسبة التزود بالماء الصالح للشرب في المجال الحضري 81.7 % ؛
- – نسبة الارتباط بشبكة التطهير 51,9 % ؛
- – نسبة المياه العادمة المعالجة 2 % ؛
- – نسبة معالجة النفايات المنزلية 1 الى 2 % .
* استعمال التربة :
- 9 ملايين هكتار أراضي فلاحية ، 65 مليون هكتار أراضي للرعي، 9 ملايين هكتار من الغابات(12,6 % من مساحة المملكة) .
* التنوع البيولوجي :
- – 37 نظام ايكولوجي أرضي ؛
- – 24534 من الوحيش وحوالي 7000 نوع من النباتات .
* قيمة تدهور البيئة : 20 مليار درهم سنويا
III الحالة البيئية والرهانات الاقتصادية:
إن تشخيص الحالة البيئية بالمغرب قد أفضى إلى كون الموارد الطبيعية تجد صعوبة بالغة في التجدد وضمان ديمومتها، مما يمثل عائقا كبيرا أمام التنمية الاقتصادية والاجتماعية لبلادنا ويتجلى ذلك في:
- – وسط طبيعي متميز بتنوع بيولوجي غني ولكن مهدد بالانقراض، استغلال مفرط وتدهور للمجال الغابوي، ساحل مهدد بكيفية مستمرة وواحات في طريق الاحتضار ؛
- – تربة هشة بسبب مشكل الانجراف وارتفاع نسبة الملوحة بالإضافة إلى زحف التعمير على الأراضي الفلاحية ؛
- – تدهور خطير لجودة الموارد المائية، حيث تم ترتيب المغرب في الرتبة 121 من أصل 122 دولة حسب تقرير منظمة الأمم المتحدة للعلوم وللتربية والثقافة وذلك نتيجة للتأخر الهائل في معالجة المياه العادمة ؛
- – تهديد محتمل للصحة العمومية بسبب تدهور جودة المياه والهواء في أهم الحواضر ؛
- – تدبير غير معقلن للنفايات الصلبة، يتجلى أساسا في انعدام المطارح المراقبة ؛
وتقدر تكلفة تدهور البيئة ببلدنا حسب الإستراتيجية الوطنية لحماية البيئة والتنمية المستدامة لسنة 1995، بحوالي 20 مليار درهم أي ما يماثل 8,2 ℅ من الناتج الوطني الخام، وتعتبر أهم مسببات التدهور البيئي فيما يلي :
- النقص وعدم التناسق للتشريعات والقوانين الجاري بها العمل ؛
- مراقبة غير ناجعة لمجال استغلال الموارد الطبيعية؛
- تنسيق غير ملائم للبرامج ذات البعد البيئي على المستوى المركزي والجهوي والمحلي ؛
- تأخر مثير في انجاز برامج الوقاية والمحافظة على الموارد الطبيعية (معالجة التلوث، تهيئة الأحواض المائية …) بالرغم من كون هذه البرامج تمثل رهانا اقتصاديا واجتماعيا مهما بالنسبة للبلاد ؛
VI-عناصر الإستراتيجية الوطنية لحماية البيئة :
لمواجهة أهم المشاكل البيئية التي تعيشها بلادنا لابد من إعداد إستراتيجية يساهم فيها مختلف الفاعلين من جمعيات مؤسسات حكومية من أجل المحافظة على البيئة وذلك على المدى المتوسط والبعيد، وتتضمن هذه الإستراتيجية سبعة برامج متآلفة متكونة من 162 مشروعا :
- برنامج الحماية والتدبير المستدام للموارد المائية يتضمن 18 مشروعا متعلقا بتدعيم التدبير المندمج للموارد المائية وتحسين التدبير المياه الباطنية وكذا ظروف التزود بالماء ومحاربة التلوث؛
- – برنامج الحماية والتدبير المستدام للتربة، ويتضمن 12 مشروعا متعلقا بمكافحة التعرية وتحسين تدبير التربة ؛
- – برنامج حماية الهواء وتشجيع الطاقات المتجددة ويشتمل على 18 مشروعا خاصا بتنمية الطاقات المتجددة وتحسين جودة المواد البترولية ؛
- – برنامج الحماية والتدبير المستدام للوسط الطبيعي خاصة المجال الغابوي والواحات والساحل ويتضمن هذا البرنامج تدعيم القدرات في ميدان التدبير المستدام للتنوع البيولوجي وإنقاذ الواحات ووضع برنامج للتنمية الاقتصادية والاجتماعية لساكنة الجبل؛
- – برنامج الوقاية من الكوارث الطبيعية والأخطار التكنولوجية الذي يشتمل على مجموعة من الإجراءات المتعلقة بتحسين المعرفة حول الأخطار الطبيعية والتكنولوجية ؛
- – برنامج تحسين البيئة الحضرية والشبه حضرية ويتضمن مشاريع متعلقة بدعم انجاز برامج التطهير السائل والصلب ؛
- – برنامج التدبير والتواصل البيئي .
ولترجمة هذه البرامج هناك مخطط عمل على المدى القصير (2003-2004) ويتمحور هذا المخطط على:
- – تدعيم الإطار القانوني والتشريعي عبر المصادقة على قوانين ومراسيم ومعايير متعلقة بالبيئة وكذا إنشاء جهاز للمراقبة يمكن من تتبع استغلال الموارد الطبيعية ومدى احترام القوانين الجاري بها العمل؛
- – تدعيم تنسيق المبادرات في مجال البيئة ؛
- – تشجيع مجال معالجة المقذوفات السائلة والهوائية والصلبة ؛
- – تدعيم الآليات الاقتصادية والمالية من أجل الحث على انجاز برامج تهدف إلى حماية الوسط الطبيعي ؛
- – التشجيع والمساهمة في إعداد برامج مندمجة من أجل دعم انجاز مشاريع تهدف إلى الوقاية والمحافظة على الموارد الطبيعية ؛
- – انجاز برنامج تحسيسي حول أهمية حماية البيئة (الأكشاك الخضراء) ؛
- – مواكبة التأهيل البيئي للمقاولات وإقرار نموذج الإنتاج النظيف .
إن انجاز هذا المخطط ستكون له انعكاسات سوسيو-اقتصادية – تتجلى أساسا في المساهمة في محاربة الفقر وخلق مناصب للشغل إضافة إلى تحسين التنافسية والفعالية الاقتصادية للمقاولات ويمكن التركيز على :
1 الإطار القانوني والمؤسساتي : وذلك بهدف وتعزيز الممارسات وتدعيم المحافظة على البيئة ، واحترام التزامات المغرب في المعاهدات والاتفاقيات الدولية وتشجيع الاستثمار ودعم دور المراقبة البيئية والتأهيل البيئي للنسيج الاقتصادي الوطني .
2 تشجيع المشاريع المندمجة : المساهمة في التمكين من تدبير النفايات الصلبة المنزلية وتثمينها في الفلاحة البيولوجية والمشاركة في انقاد الواحات في المناطق الجنوبية ( محاربة التصحر ) تشجيع التنمية المستدامة والمندمجة بحوض سبو، ترميم موقع منجم جرادة وتحسين إطار العيش لساكنة المدينة وتشجيع التدبير المستدام للساحل .
3 الحد من تلوت الهواء : وضع محطات لمراقبة جودة الهواء المساهمة في الحد من نسبة الثلوت الناتج عن النقل داخل الوسط الحضري( إدخال غاز البترول المسيل GPL) كوقود في قطاع النقل ، تشجيع استعمال التقنيات التي تحترم القوانين الجار بها العمل ومشاريع المعايير المغربية للمحافظة على البيئة والحد من استعمال المواد الإحيائية والعجلات المستعملة.
4 تحسين تدبير النفايات : الحد من استعمال أكياس البلاستيك التي تشوه الطبيعة وتهدد النباتات والحيوان ، التخفيف من التأثير على البيئة والصحة العمومية الناتج عن القطاع الصناعي ، تحسين القيمة المضافة وفرد العمل في القطاع الصناعي وتشجيع المنظمات غير الحكومية للمساهمة في المحافظة على البيئة ، الحد من الثلوت وتثمين رسكلة الزيوت المستعملة .
5 وثيقة النضال الاجتماعي والنقابي: البيئة
التحسيس والتربية البيئية : تحسيس السكان بالمحافظة على البيئة وتحسين التزويد بالطاقة في العالم القروي ، تشجيع الشغل في العالم القروي وتنمية القدرات المحلية ، تحسيس رواد الشواطئ بالمحافظة على البيئة وضع منتوج سياحي يتوافق مع المعايير الوطنية والدولية رهن إشارة المصطافين وتشجيع الشراكة الناجعة مع جميع الشركاء ، المساهمة في حماية وتثمين الثرات الطبيعي ( المواقع ذات الأهمية البيولوجية والإيكولوجية SIBE) مع ضمان عائدات قارة للساكنة المحلية ( ملحوظة : للمزيد من التفاصيل أنظر الملحق ) .
V – أي مهام لحزب اليسار للحفاظ على سلامة البيئة :
إن حزب اليسار باعتباره إطارا سياسيا يهتم بمختلف المجالات الحياتي والاقتصادية والاجتماعية للإنسان المغربي بما في ذلك البيئة باعتبارها عنصرا أساسيا في التنـمية المستـديمة موكول إليه أن يلعب دورا طلائعي لحماية وسلامة البيئة وذلك من خلال :
· تشكيل لجنة دائمة لمتابعة ومراقبة كل البرامج الرسمية والغير الرسمية الخاصة بالمجال البيئي والاتفاقيات الدولية مع المنظمات غير الحكومية ؛
· تفعيل الجانب التشريعي من خلال مختلف المؤسسات الجهوية والوطنية التي لنا بها تواجد وخاصة المجموعة البرلمانية لحزب اليسار الاشتراكي الموحد ؛
· تنسيق عمل الجمعيات المهتمة بالمجال البيئي والتواجد بها ؛
· ربط علاقات مع الأحزاب الأوروبية والدولية ذات الاهتمام بالبيئة والاستفادة من تجاربها؛
· تخصيص مجال بالجريدة للتحسيس والتوعية والانفتاح على الفاعلين بالمجال البيئي والتعريف بالاتفاقيات الدولية والبروتوكولات المهتمة بالبيئة كبروتوكول طوكيو الخاص بآليات التنمية النظيفة؛
· العمل ضمن برامج الحزب على تبني سياسة شاملة ومندمجة من أجل امتلاك تصور تستقبلي لتدبير الماء والمناخ والحفاظ على البيئة والتنوع البيولوجي والايكولوجي للمغرب .
· صياغة سياسة بيئية واضحة , وتفعيل المؤسسات ذات العلاقة بالتلوث.
· تبني النموذج التنموي الملائم بيئيا .
· إعداد الأطر المؤهلة لذلك و التقويم الدوري للحالة البيئية .
· تشجيع البحث العلمي والثقافة البيئية .
· الأخذ بمبدأ تقويم آثار الأنشطة البشرية على البيئة و تجريم كل الأعمال المضرة بها.
· إدخال الكلفة البيئية ضمن دراسات الجدوى .
· ترشيد استعمال الموارد الطبيعية .
· اعتماد تكنولوجيا غير ملوثة .
· التخفيف من التلوث البيئي, والمساهمة في كلفة إصلاح الأعطاب البيئية.بفرض رسم ضربي لذلك .
· الشعور بالمسؤولية تجاه البيئة وحمايتها وتنميتها و المشاركة في مجهودات الرامية لذلك .
· الاستخدام الأمثل للموارد من أي موقع كان .
· التمسك بالأخلاقيات البيئية .
· الحرص على دعم مجهودات التربية البيئية في المحيط الأسري والمهني , والمجتمعي .
وثيقة النضال الاجتماعي والنقابي: العمل النقابي
وثيقة العمل النقابي
تقديم :
إن التاريخ السياسي للمجتمعات عالميا يبين مدى أهمية النضال الاجتماعي كمستوى من مستويات الصراع الطبقي من أجل انتزاع بعض المطالب المادية والديمقراطية وتنظيم المأجورين ضمن حركة نضالية شمولية موجهة ضد سيطرة الرأسمال بهدف قامة نظام سياسي يستجيب لطموحات وتطلعات الشعوب.
لذلك لاغرابة في ارتباط الحركات الاشتراكية والتنظيمات اليسارية تاريخيا بالحركات العمالية-وهو نفس الالتحام الذي كان بين الطبقة العاملة المغربية والحركة الوطنية- إذ لم يفصل فيه النضال من أجل المطالبة المادية والمعنوية عن النضال من أجل استقلال البلد.
واليسار الاشتراكي الموحد المنحاز لخلق الطبقة العاملة وقيمها تعاطي مع المسألة النقابية باعتبارها قضية مركزية تستدعي قراءة عميقة تستوعب التحولات العالمية والإشكاليات المترتبة عنها بالعلاقة بالوضع السياسي المغربي ودور الحزب في الصراع الاجتماعي كواجهة من واجهات النضال لتحقيق الانتقال الديمقراطي في أفق إقامة المجتمع الاشتراكي.
1 التحولات العالمية وأثرها الاجتماعي والنقابي:
عرف العالم تحولات عميقة خلفت أثرها على المناحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إنها مرحلة من تاريخ النظام الرأسمالي يصطلح عليها بالعولمة أو النظام العالمي الجديد ذو القطب الوحيد.
يتميز هذا النظام اقتصاديا بهيمنة الشركات المتعددة الجنسيات التي تتحكم في 75 % من التجارة العالمية وبذلك أصبح الإنتاج العالمي مركز الاقتصاد دوليا واختراق الأسواق قصد تحويل العالم إلى سوق واحدة يطلق عليها البعض “ديكتاتورية السوق والعولمة” مستفيد من الدور الذي تلعبه “الأقمار الاصطناعية و شبكة الانترنيت و مختلف أشكال ثورة الاتصالات”.
وقد انعكست سياسة اللبرالية المتوحشة بشكل سلبي على المستوى الاجتماعي حيث يلاحظ الإجهاز على العديد من مكتسبات الطبقة العاملة على مستوى الأجور وتقلص الخدمات الاجتماعية وانتشار البطالة وأزمة صناديق التقاعد ويعتقد بعض الباحثين أن “القرن القادم سيكون هناك فقط 20% من السكان، الذين يمكنهم العمل والحصول على الدخل والعيش في سلام، أما النسبة الباقية 80% فتمثل السكان الفائضين عن الحاجة، الذين لن يمكنهم العيش إلا من خلال الإحسان و التبرعات وأعمال الخير”.
ففي ظل هذه التحولات ستجد اقتصاديات المجتمعات النامية نفسها أمام تنافسية غير متوازنة باسم الجودة وبالتالي الإفلاس والإغلاق التلقائي للمقاولات الوطنية مما يقود إلى التسريح وفقدان الشغل، ومنه تزداد الحاجة إلى النضال النقابي و دوره الريادي ضمن الحركات الاجتماعية لمواجهة هذا الزحف رغم الوضع التنظيمي المتسم بالتراجع إذ أن نسبة المنقبين تقل عن 13% (163 مليون منقبين من 1300 مليون عامل أجير). إن ” ديكتاتورية السوق العالمية” تقتضي تشكيل عولمة نقابية مضادة تعطي أهمية كبيرة للنضال التضامني ومرتبطا بالمنظمات الحقوقية لان الحقوق الديمقراطية تضمن الحق في الشغل وبالتالي الحق في التنظيم والإضراب دفاعا عن المطالب ومن أجل مجتمع بديل.
2- الوضع النقابي بالمغرب والإشكاليات:
أ لمحة تاريخية:
اتخذ النضال النقابي في مغرب الحماية بعدا سياسيا لأن المطالب التي رفعت كانت موجهة ضد المستغل المستعمر، فالأجور كانت مطبوعة بالتمييز بين العمال المغاربة والعمال الأجانب، وحق الحريات العامة كانت بالضرورة تعطي طابعا سياسيا للنضال النقابي مما ولد التحاما عضويا بين الفعل النقابي والفعل السياسي من خلال الحركة الوطنية، ويبرز هذا الارتباط وتأثيره من خلال الإشعاع الذي عرفه حزب الاستقلال بعد هيمنة النقابيين المغاربة على.G.T. C ابتداء من سنة 1951 ثم تأثر التنظيم النقابي بالصراع السياسي داخل هذا الحزب الذي تولد عنه ميلاد الاتحاد المغربي للشغل U.M.T بتاريخ 20 مارس 1955 الذي سيعرف صراعا بدوره بين جناحين بعد ميلاد الاتحاد الوطني للقوات الشعبية سنة 1959، هذا الصراع النقابي الذي سيحسم بدوره ميلاد ثاني نقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب U.G.T.M بتاريخ 20 مارس 1969.
وعلى اثر الصراع الحزبي داخل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي سيقود إلى تأسيس الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية سنة 1975 بادر بدوره إلى تأسيس ” الكونفدرالية الديمقراطية للشغل C.D.T ” في نونبر 1978 التي ستنشق عنها ” الفدرالية الديمقراطية للشغل F.D.T ” بعد الصراع الحزبي الذي تمخض عنه أيضا ميلاد المؤتمر الوطني الاتحادي. يمكن القول أن هذا الارتباط بين الحركة النقابية و الحركة الوطنية في ظل الاستعمار خلف إرثا تولدت عنه ظاهرة تحزيب النقابات، إذ أن كل حزب يراهن على تأسيس نقابة له لتوظيف الصراع الاجتماعي قصد تقوية الموقع السياسي للحزب، ومن هنا الظاهرة الشاذة للانشقاقات وتعدد النقابات.
ب المشهد النقابي الراهن:
يتميز المشهد النقابي الراهن بظاهرة التعدد المحكومة بها جس التحزيب وترديد نفس الخطاب إلى حد تمييع المشهد وتوليد حيرة مطبوعة بالالتباس والتشكيك لدى الشغيلة المغربية، وضع كانت من نتائجه إضعاف كبريات النقابات تنظيميا رغم النتائج المحصل عليها في انتخابات اللجان الثنائية التي أكدت تمثيلية هذه النقابات.
إن الحكم السياسي بالمغرب راهن تاريخيا على تفتيت الوحدة النقابية وفك ارتباطها بالقوى الديمقراطية واليسارية مما جعل الوضع الحالي يتسم بالتشتت كما هو إن ظاهرة اللجن الفئوية تعبر عن جزء من الأزمة النقابية مما يستدعي استيعاب المطالب الفئوية وإعادة هيكلة البنية التنظيمية وإستراتيجية التأطير لتكون الإطارات النقابية معبرا عن مشاكل وتطلعات الفئات لكي لا تكون مضطرة إلى البحث عن بدائل من تبعاتها المساهمة في إضعاف الحركة النقابية. إن اختلالات موازين القوى عمقت هجوم الباطرونا على الطبقة العاملة وللإجهاز على جزء من المكتسبات مسايرة منطق الرأسمالية العالمية المتوحشة.
ج-علاقة النقابي بالسياسي:
يطرح البعض نقاشا مغلوطا من منطلقاته تحت شعار فصل النقابي عن السياسي والحال أن النضال النقابي في عمقه نضال سياسي لان المطالب النقابية و الحقوقية موجهة ضد الرأسمالية وهي اليوم في أبعادها موجهة ضد العولمة المتوحشة، والحركة النقابية مطالبة أن تكون جزء من الحركات الاجتماعية الاحتجاجية بل الانخراط في ومن أجل وحدة نقابية كفاحية مقاومة وطنيا وعالميا لأن لا خيار غير هذا في ظل ” ديكتاتورية السوق” .
إن الاستقلالية ينبغي أن تكون ضد تحزيب العمل النقابي وعدم تحويله إلى ذيل للحزب أو منظمة موازية له لأن التجربة أكدت أن النزعة الالحاقية تساهم في إضعاف الفعل النقابي وتجميده في ظل التوافقات السياسية العلنية والخفية، والحال أن مساحة الحقل الاجتماعي في توسع وتدهور وتراجع وهو مرشح مستقبلا لوضع أسوأ، إن المسافة الفاصلة بين الحزبي و النقابي ضمانة له ليتطور ويتفاعل وفق ميكانزماته.
3 – رؤيتنا كحزب:
لم يتردد حزبنا في تقييم التجربة السياسية الحالية، إذ خلص إلى أن ما يسمى بالتناوب التوافقي أخفق في إخراج المغرب من أزمته البنيوية وأكد صواب الموقف المعبر عنه الداعي إلى اعتبار الإصلاحات السياسية والدستورية مدخلا لمعالجة المعضلات الاجتماعية والاقتصادية، ومن هنا فزمن النضال لم ينته بل ضرورة ملحة لزرع الأمل في الشعب المغربي بعد خيبته في الحكومة السابقة والحالية، لذلك فاختيار الانتماء إلى اليسار هو اختيار لهويته الكفاحية، والوعي بأن مهام المشروع المجتمعي جسيمة قاد إلى وضع تصور لمسألة التحالفات المتداخلة مستوياتها لكن أولوية ميلاد تجمع يساري لها ملحاحيتها لان مكوناته تتقاسم العديد من المواقف التي من شأن النضال على أرضيتها أن تقوي هذا الإطار وبالتالي تعبئة الشعب المغربي للانخراط في معارك لإحداث تغيير في موازين القوى وفرض مطالب ديمقراطية تفتح آفاقا للنضال السياسي. وانسجاما مع هذا التوجه فالحاجة إلى حركة نقابية قوية ديمقراطية ومستقلة ذات مضمون حداثي تقطع مع الممارسة التقليدية والشخصانية وتمتلك مقومات الكفاح من أجل نضال اجتماعي في مطالبه وسياسي في أبعاده، ودون شك فإن ك.د.ش C.D.T تمتلك هذه المقومات وتضم نفس مكونات التجمع اليساري، إن الأمر يتطلب استثمار إمكانياتنا البشرية وكفاءاتنا النضالية التي راكمت تجربة ثرية من أجل استثمار هذا الرأسمال الرمزي وإقامة تعاقد مع كل الأطراف من أجل ضمان الاستقلالية بالمعنى المشار إليه وأيضا من أجل توسيع هامش الديمقراطية الداخلية.
ودون شك أيضا فإن بعض المناضلين والمناضلات منا راكموا تجربة غنية داخل ا.م.ش U.M.T ويحتلون مواقع في الأجهزة المحلية والجهوية والوطنية، ومن تم ينبغي استثمار هذه الإمكانيات من أ جل وحدة نضالية وابتكار كل أشكال التنسيق الممكنة لفرض المطالب العمالية ورد الاعتبار للمضمون الحقيقي للحوارات الاجتماعية.
إن الحركة النقابية مطالبة بتأهيل ذاتها تنظيميا وبرنامجيا للأدوار الموكولة إليها في المستقبل وهذا يستدعي تكوين أطر في مستوى تدبير الملفات وتأطير حركات احتجاجية ومطلبية برؤية واسعة الأفق مستقرئة المناخ العام في أبعاده الاقتصادية والاجتماعية. ومن تم دور الحزب في إبراز طاقات أطره لتلعب الدور المنتظر منها دون تحويلها إلى أدوات للتنفيذ الميكانيكي لتوجيهاته لان سرعة التحولات العالمية وما يصاحبها من هجوم زاحف يولد حركة اجتماعية احتجاجية تقطع موضوعيا مع ظاهرة التحزيب وإلا اختارت أن تكون أي شيء إلا أن تكون حركة نقابية.
وثيقة النضال الاجتماعي والنقابي: المسألة الحقوقية
ورقــــة حــول المـسألة الحقـوقية
لقد شكلت الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المرتبطة بالقمع السياسي انشغالا أساسيا لمجموع الحركة الحقوقية و الديمقراطية ببلادنا، ذلك أن سياسة القمع الممنهج للدولة في مواجهة معارضيها خلفت منذ الاستقلال عشرات ألآلاف من ضحايا الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان التي كان أبرز عناوينها الاختفاء القسري، التعذيب المؤدي إلى الموت في العديد من الحالات، الاعتقال التعسفي، المحاكمات الجائرة، الإعدام خارج نطاق القانون، القتل الجماعي أثناء الهزات الاجتماعية الكبرى، النفي القسري خارج الوطن والتجريد من الممتلكات.
من أجل الكشف عن الحقيقة في ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
في سياق التفاعل مع المستجدات السياسية المرتبطة بملف حقوق الإنسان، وترجمة الموقف المعبر عنه من طرف حزبنا بخصوص إحداث وتعيين هيئة الإنصاف والمصالحة والذي عبر عنه نشطاء ونشيطات الحزب والقاضي بالتعاطي الإيجابي مع هذه الهيئة. وحيث أن هيئة المصالحة والإنصاف بالمضامين التي حددها خطاب تعيينها باعتبارها بمثابة لجنة للحقيقة، وكذا الإجراء الذي صاحبها والمتمثل في إطلاق سراح المعتقلين السياسيين إشارة إيجابية تتجاوب مع عقود من النضال الحقوقي والديمقراطي والدينامية التي أطلقتها الحركة الحقوقية والقوى الديمقراطية من خلال نضالها ومقترحاتها بشأن الكشف عن الحقيقة والتي ساهم فيها الحزب بفعالية. وحيث أن الكشف عن الحقيقة في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقضايا ذات الصلة من جبر الضرر والتسوية العادلة والمنصفة للضحايا وكذا الآليات القانونية والسياسية الكفيلة بالحيلولة دون تكرار ما جرى، هذه الغايات التي تتأطر ضمن إستراتجية الحزب ونضاله السياسي من أجل الإصلاح السياسي والدستوري. وتأسيسا على التعاطي الإيجابي والنقدي مع الهيئة من خلال مواكبة نشاطها، وتحويل عملها إلى ورش وطني عام يشتغل عليه الفاعلون في مختلف المجالات المجتمعية، يتم خلاله فتح جميع الملفات التي من شأنها المضي نحو معرفة ما جرى، والكشف عن الحقيقة بمختلف تجلياتها. واعتبارا لضرورة إرساء الأسس والضمانات القانونية لعدم الإفلات من العقاب في إطار النضال من أجل الانتقال إلى الديمقراطية. واستلهاما للخلاصات الأساسية للتجارب العالمية في موضوع
الكشف عن الحقيقة والمصالحة. انطلاقا مما سبق، ومن أجل المساهمة في الطي العادل والمنصف لملف ألانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ببلادنا، وبناءا على مبادئ حزب اليسار الاشتراكي الموحد، الواعي بدوره الحيوي ومسؤوليته في الكشف عن الحقيقة بمفهومها الشامل، وباعتباره قوة عمل إقتراحية، والملتزم بمعايير حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا أعد مذكرة ذات صلة بموضوع الانتهاكات الجسيمة تتضمن مايلي:
- مبادئ ومواقف الحزب المعبر عنها في أكثر من مناسبة أخرها المذكرة التي تقدم بها مؤخرا بمناسبة تعيين لجنة الحقيقة والمصالحة.
- مبادئ ومقتضيات القانون الدولي الإنساني.
- المعايير المعتمدة في التجارب الدولية في مجال لجان الحقيقة.
- الخطوات التي أنجزتها الحركة الحقوقية والديمقراطية وعلى رأسها المناظرة الوطنية حول الانتهاكات الجسيمة والتي شارك فيها حزبنا والتزم بخلاصاتها.
- التراكمات المحققة في ملف الانتهاكات الجسيمة من طرف الحركة الديمقراطية المغربية.
مطالب و مقترحات الحزب، إجراءات عامة من شأنها توفير أجواء لنجاح أكبر.
وحيث أن وظائف التوصية قد حددت في المهام التالية:
- إجراء تقييم شامل لمسلسل تسوية ملف الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي.
- إجراء الأبحاث في حالة الاختفاء القسري التي لم يعرف مصيرها بعد.
- إجلاء الوقائع التي لم يتم الكشف عنها بعد.
- جبر الأضرار بما في ذلك إعداد توصيات تهم قضايا الإدماج الاجتماعي والتأهيل الصحي.
- فتح أجل جديد لتلقي طلبات التعويض.
- محو أثار الانتهاكات.
- اتخاذ تدابير لكي لايتكرر ماجرى.
- إنهاء ظاهرة الاعتقال لأسباب سياسية وإطلاق سراح ما تبقى من المعتقلين في قضايا ذات صبغة سياسية بعد العفو الملكي الأخير.
- وضع حد للانتهاكات الخطيرة والتجاوزات التي عرفها المغرب بعد أحداث 16 مايو الإجرامية.
- إلغاء عقوبة الإعدام.
- المصادقة على البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التصريح بقبول المغرب لاختصاصات لجنة مناهضة التعذيب للنظر في الشكاوي الفردية.
- الإسراع برفع كافة التحفظات الواردة على الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان المصادق عليها واستكمال الانضمام للمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان.
إن حزب اليسار الاشتراكي الموحد إذ يسجل إيجابية فتح ملف الانتهاكات الجسيمة من جديد واعتماد مقاربة مغايرة للمقاربة الاختزالية السابقة، فإنه يسعى للعمل على أساس ترجمة مواقف الحزب حول الانتهاكات الجسيمة وذلك في أفق الكشف عن الحقيقة بكافة تجلياتها:
لأجل ذلك نرى في حزب اليسار الاشتراكي الموحد ضرورة توسيع جدول مهام واختصاصات الهيئة إلى الموضوعات التالية:
- الإعدام خارج نطاق القانون.
- التعذيب المفضي للموت أو الذي تترتب عنه عاهات مستديمة.
- المحاكمات الغير العادلة.
- الانتهاكات المرتكبة أثناء الأحداث الاجتماعية الكبرى ( تظاهرات… انتفاضات ).
- قضايا النفي الاضطراري أو الاختياري بسبب الاضطهاد السياسي.
- مراجعة الأساس التحكيمي لتعويض الضحايا والذي اعتمدته هيئة التحكيم.
إن الحيثيات المذكورة في تقديرنا من شأنها أن تساهم في رسم الإطار العام لتحقيق مطالب الضحايا والاستجابة للتطلعات المجتمعية نحو الطي النهائي لملف الانتهاكات الجسيمة. وعليه يجيب العمل على:
مشاركة المجتمع المدني والفاعلين السياسيين والاستعانة بدوي الخبرة.
لأن ملف الانتهاكات الجسيمة يهم المجتمع المغربي، فإننا في حزب اليسار الاشتراكي الموحد نرى ضرورة إشراك هيأت المجتمع المدني والاستعانة بالمنظمات الحقوقية والدولية وخلق آلية للتشاور وتبادل وجهات النظر وكذلك مع الخبراء في هذا المسلسل بغية ضمان نجاحه بشكل أقوى.
الإعلام والإخبار .
من أجل ضمان متابعة مستمرة، نقترح تجنيدا مكثفا لوسائل الإعلام العمومية والخاصة وإصدار نشرة إخبارية دورية من أجل:
إطلاع المعنيين والرأي العام والإخبار بالأشواط والمراحل التي قطعتها الهيئة في عملها.
الإخبار بالمهام والوظائف.
القيام بالمهام التحسيسية.
تمكين الحركة الحقوقية وكافة المعنيين من المساهمة في الحملة التحسيسية عبر وسائل الإعلام العمومية.
الكشف عن الحقيقة.
استنادا للمعايير المعتمدة دوليا في موضوع الانتهاكات الجسيمة، يستوجب الكشف عن الحقيقة:
- تحديد مفهوم الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان الشئ الذي يطرح بالضرورة توسيع صلاحية الهيئة ليشمل البحث في كل أنواع الانتهاكات الجسيمة.
- إجراء تحقيقات معمقة وموضوعية وشاملة حول كل الملفات والوقائع والشكاوي ذات الصلة.
- تحديد أسباب وظروف الانتهاكات وكذلك مرتكبيها وضحاياها.
- اعتماد الشهادات في الصحف والكتب المنشورة واعتبارها وثائق يجب تمحيصها لما تتضمنه من معطيات قد تساعد على كشف الحقائق.
- الاستناد على الوثائق والملفات الموجودة لذا الهيئات الحقوقية باعتبارها وثائق تساعد على التعرف على وقائع الانتهاك.
- توفير الضمانات لحماية الشهود والضحايا لتحفيزهم على الكشف عن الحقيقة.
- تنظيم جلسات استماع عمومية للشهادات بحضور وسائل الإعلام.
- الاستماع إلى شهادة الضحايا وفق منهج يسمح بالإحاطة بكافة الوقائع وعبر كل الفترات التاريخية وكل المناطق التي شهدت الانتهاك.
- تشجيع الشهود وخاصة من بين مرتكبي الانتهاك، على الإدلاء بشهاداتهم وتوفير الحماية اللازمة لهم.
- تنظيم لقاءات محلية للاستماع إلى الساكنة وتدوين أرائهم بخصوص بعض الأحداث.
- الكشف عن مصير كافة المختفين قسرا مجهولي المصير، ووضع لائحة بأسمائهم وتوضيح المسار الذي أدى إلى المآل الذي عرفته حالاتهم.
- تسليم الرفات إلى دويهم الراغبين في ذلك وتمكينهم إن هم أرادوا ذلك من نقلها إلى المدافن التي يرتئونها.
- فتح ودخول ومعاينة كافة المراكز السرية أو التي يشتبه أنها استعملت كمراكز سرية للاعتقال.
- تمكين هيأة المجتمع المدني من تتبع مختلف أطوار عمل الهيئة.
- القيام بحملات إعلامية تحسيسية لتوضيح حجم ومدى الانتهاك والعوائق السياسية والاجتماعية والأخلاقية التي تنتج عنه،وجعل الضحايا في القلب من هذه الحملة.
- تمكين الهيئات الحقوقية والفاعلين السياسيين والضحايا من وسائل الإعلام العمومية في إطار برامج خاصة لشرح وجهة نظرهم من خلال تنظيم نقاش وطني فكري وسياسي وقانوني حول ملابسات الانتهاك.
الحق في التعويض.
الإقرار بالحق في التعويض العادل والمنصف لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وعليه أن يشمل:
- الاختطاف والاحتجاز بدون سند قانوني من طرف أشخاص لا صفة لهم.
- تجاوز مدة الاحتجاز للآجال القانونية لأسباب سياسية أو نقابية أو جمعوية.
- الاحتجاز على إثر الأحداث الاجتماعية الكبرى والتي رافقتها انتهاكات جسيمة تتمثل في التعذيب وسوء المعاملة والتسبب في الوفاة أو في الاختفاء.
- الاحتجاز التعسفي الذي أعقبته محاكمات سياسية انتهت بالبراءة، أو بالإدانة وتميزت بغياب ضمانات المحاكمة العادلة.
- الاغتراب حيث وجد بعض الضحايا أنفسهم خارج الوطن بسبب مخاطر التعسف نتيجة أنشطتهم السياسية أو النقابية أو تلك المتصلة بحرية الرأي والتعبير، ودون الاستفادة من الحماية القانونية، والذي تبث أن كانوا موضوع مضايقات أو بحث وتفتيش أو وردت أسماؤهم في صكوك الاتهام أو القرارات القاضية بصفة غيابية.
معايير التعويض.
لكي يكون التعويض عادلا ومنصفا للضحايا ودويهم، فإننا في حزب اليسار الاشتراكي الموحد نقترح أن يتم اعتماد الأسس التحكيمية التالية:
1- حجم الأضرار الجسدية والمادية والمخلفات النفسية والاجتماعية.
2-السن منذ الاختفاء وتأثيره على النشاط التجاري أو المهني…. .
3-الدخل الذي كان المعني يتوفر عليه مع مراعاة التطورات الحاصلة في هذا الباب.
4-الحالة العائلية، وأثر الانتهاك على المستوى الاجتماعي.
5-المصاريف التي تكبدها الضحية أو عائلته خلال مدة الاختفاء أو الاعتقال.
المساطر والإجراءات.
1- تعزيز وتطوير الضمانات المسطرية التي اعتمدتها هيئة التحكيم السابقة، وإقرار نظام التحقيق في كل قضية وإمكانية منح تعويض مسبق، ووجوب تعليل المقرر التحكيمي في حالة الرفض.
2- إضافة إمكانية المطالبة بمقررات تحكيمية اعتبارية.
جبر الضرر واسترداد الحقوق:
- ألأخذ بعين الاعتبار مفهوم جبر الضرر كما هو مكرس في المعايير الدولية لحقوق الإنسان والذي يتضمن الأشكال التالية:
- الإستراد، أي إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الانتهاكات.
- التعويض وهو يقدر ماليا ويعوض أساسا عن:
1-الضرر الجسدي، المعنوي، ضياع الفرص بما في ذلك فرص العمل والتكوين.
2- الأضرار المادية وفقدان المداخيل.
3- المس بالسمعة والكرامة.
- إعادة التأهيل الاجتماعي والنفسي وتسهيل الولوج إلى الخدمات القضائية.
- جبر الضرر المعنوي وعدم التكرار ويتضمن:
1- وقف الانتهاكات الجارية.
2- الإعلان الرسمي عن رد الاعتبار وتكريم الضحايا.
3- الاعتذار والاعتراف بالوقائع والإقرار بمسؤولية الدولة.
4 – إقرار تدابير وإصلاحات إدارية وقضائية وتشريعية ودستورية لضمان عدم التكرار.
التقرير النهائي.
يشكل التقرير النهائي الذي ستصدره الهيئة النبراس الحقيقي والأساسي لتوفقها في الرسالة الملقاة على عاتقها، إذ فضلا على أنه يشكل تركيزا لعمل وخلاصات الهيئة وتصوره لما وصلت إليه من حقائق حول ما جرى والملابسات والحيثيات المرتبطة بالواقع، فإنه بالضرورة سيتضمن الخلاصات والتوصيات والآليات التي من شأنها أن تضمن عدم تكرار ما جرى في الماضي.
وعليه فإننا في حزب اليسار الاشتراكي الموحد نرى أن علاوة على أن التقرير يتضمن النتائج المفصلة للأبحاث والتحقيقات وتحليلا للملابسات والحيثيات المرتبطة بهذه الوقائع وكذا الجهات التي ارتكبتها، وضحايا هذه الإنتهاكات، وتأثير ذلك على المستوى الاجتماعي والسياسي والثقافي والاقتصادي، فإنه في تقديرنا عليه أن يتمحور جزء كبير من مضمونه على الضمانات للحيلولة دون تكرار الماضي وتتمثل هذه الضمانات في:
1- الإصلاح السياسي والدستوري وتهيئة الظروف والشروط لإرساء دولة الحق والقانون والمواطنة بكافة الحقوق، وتحقق مدخل للتنمية الشاملة والمستدامة.
2- إرساء الأسس والضمانات القانونية لعدم الإفلات من العقاب والمساءلة من أجل الانتقال إلى الديمقراطية.
3- الإصلاح القضائي.
4- الإصلاح التربوي، وإعداد برامج للتربية على حقوق الإنسان والديمقراطية والمواطنة.
5- تقديم توصيات تهم الذاكرة وإعادة الاعتبار للضحايا والمجتمع.
6- الاعتذار العلني والرسمي للدولة.
خلاصة أساسية.
وحيث أن الكشف عن الحقيقة في الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقضايا ذات الصلة من جبر الضرر والتسوية العادلة والمنصفة للضحايا وشهداء الحركة الديمقراطية المغربية ومناضليها، وكذا الآليات القانونية والسياسية الكفيلة بالحيلولة دون تكرار ما جرى، هذه الغايات التي تتأطر ضمن إستراتيجية الحزب ونضاله السياسي من أجل الإصلاح السياسي والدستوري، فإننا في حزب اليسار الاشتراكي الموحد نرى ضرورة إجراء تحقيقات موضوعية، نزيهة وشاملة في كل الملفات والوقائع والشكاوي ذات الصلة وتحديد أسباب وظروف الإنتهاكات وكذلك مرتكبيه وضحاياه.
وثيقة النضال الاجتماعي والنقابي: الحركة الاجتماعية بالمغرب
ورقة حول الحركة الاجتماعية بالمغرب .
I السياق:
إن المغرب يعيش منذ استقلاله سنة 1956 حالة صراع دائم من أجل بناء دولة القانون ، وقد عرفت البلاد مراحل حاسمة عديدة تمثلت في وضع أول دستور سنة 1960، وحل البرلمان سنة 1962، والدستور الثاني سنة 1970، ثم دستوري سنة 1972 و1996، دون أن تنتهي هذه الإصلاحات الدستورية إلى أي فصل حقيقي للسلط. وقد قبل المغرب المصاب بالهشاشة بفعل ظرفية اقتصادية غير ملائمة، وبالأخص، بفعل تدبير كإرثي للثروات العمومية ، تطبيق برامج التقويم الهيكلي المفروضة من قبل صندوق النقد الدولي والبنك العالمي. وقد نجم عن التأثيرات السلبية لهذه الإصلاحات على السكان، خلال الثمانينيات ، كما هو الحال في كل مكان طبقت فيه تعليمات صندوق النقد الدولي، حدوث تظاهرات احتجاجية عبر مجموع البلاد.
ولم يلجا النظام إلى إعطاء الأولوية لضرورة المبادرة بإحداث تغييرات تسير في اتجاه دمقرطة بنيات ووسائل تدبير القطاع العمومي إلا في نهاية العشرية الأخيرة، وذلك تحت نوعين من الضغوط ، احدهما داخلي والآخر خارجي .
ومع ذلك فقد كان الإرث الاقتصادي والاجتماعي ثقيلا إن لم يكن كارثيا، وسواء اعتمدنا كمعيار للتقييم مسألة التغذية أو التعليم، البنية الصحية التحتية أو الناتج الداخلي الخام عن كل ساكن، فإن المغرب يتموقع بشكل بعيد عن الجزائر و تونس و مصر وسوريا، إذ هو مصنف في الرتبة 124 من بين 174 بلدا .
إن إحصائيات السكان لسنة 2001 تعلن أن عدد السكان بلغ 29 مليون ساكنا، من بينهم 50.8% نساء و 52.4% سكان حضريون ، و35% لا تتعدى أعمارهم 15 سنة، وتظل هذه الساكنة الفتية معطى ديمغرافيا هاما يضع المغرب أمام تحديات دائمة بخصوص مسألة التشغيل والسكن وإشباع الحاجات الأساسية.
لقد بلغت نسبة البطالة 20% على مستوى مجموع البلاد، و 30% من العاطلين لا تتجاوز أعمارهم 25 سنة، أما هذه النسبة لدى النساء فهي أعمق بكثير .
ولا تزال اليوم الانعكاسات الاجتماعية الناجمة عن برامج التقويم الهيكلي جد ثقيلة ؛ فوزن الدين الخارجي وأيضا الداخلي جد ثقيل، وهو يعوق بقوة أي استثمار عمومي، إذ أن المقادير المالية المخصصة للوفاء بالديون تقتطع من ميزانيات
الدولة نسبة 30%، و هي إلى جانب نسبة 50% المخصصة لميزانية التسيير و 15% المخصصة لتعويض تكاليف المواد الغذائية الأساسية تختزل الجزء المخصص للاستثمار وتحسين المؤشرات الاجتماعية إلى نسبة 15% من ميزانية الدولة، وهو شيء قليل بالنظر إلى التحديات التي لا بد من رفعها.
وهكذا، فإن ثلث السكان يعيشون تحت عتبة الفقر، و تقارب نسبة السكان الذين يعانون من الخصاصة 50 %، ويضم الوسط القروي 70% من الفقراء الذين يقوم معاشهم بشكل أساسي على فلاحة الكفاف ذات الإنتاجية الضعيفة، وأكثر من ثلثي القرويين لا يصلهم الماء الشروب، وأكثر من ثلاثة أرباعهم لا يعرفون نعيم الكهرباء، كما لا تتعدى نسبة المستفيدين من التغطية الاجتماعية في العالم القروي 3%، ويظل عدد كبير من القرويين بدون استفادة من الخدمات والعلاجات الطبية.
لقد تم تسجيل فوارق عميقة في مابين مختلف الجهات، وما بين الأوساط الحضرية والأوساط القروية، وفي ما بين مختلف الطبقات الاجتماعية، وفي ما بين الرجال والنساء، وفي مجالات التعليم والأمية، وشبكة الماء والكهرباء القروية، ولا تحقق المناطق القروية الأكثر حظوظا درجة الولوج المرتفعة المحققة في المناطق الحضرية الأكثر تهميشا.
وأخيرا فإن أوضاع النساء تظل أوضاعا مقلقة من حيث أوضاعهن القانونية، ووفيات الأمهات ، و العنف ، والأمية ..، وباختصار، أوضاع هشاشة قصوى تجعل النساء أنصاف مواطنات لا مواطنات كاملي المواطنة.
ومع ذلك، فإنه تتوجب الإشارة إلى التقدم النسبي الحاصل في إطار الاهتمام الذي تم الإعلان عنه مؤخرا بخصوص العالم القروي، وهو اهتمام تم التعبير عنه من خلال المنجزات التي تحققت في مجال البنيات التحتية والخدمات الاجتماعية.
وبنفس الصورة ، فإن جهودا ملموسة بذلت في مجال محاربة الإقصاء الاجتماعي، ولو أنه من الممكن الإشارة إلى عدم كفايتها، كما أن حدود المقاربة المتبناة بصددها لا تخدم التنمية بشكل حقيقي.
لقد تم إبراز الإرادة السياسية المعلن عنها على أعلى مستويات الدولة من خلال إصلاح القوانين والسياسات .. الخ، تلك الإصلاحات التي وضعت موضع التنفيذ منذ مجيء حكومة التناوب : إصلاح التعليم ، قانون الحريات العامة ، مدونة الانتخابات، إلى جانب اعتماد إجراءات إيجابية لصالح تمثيلية النساء، قانون الشغل، إعادة هيكلة المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان ومحاربة الأمية …الخ.
أكيد أنه لم يتم تبني مخطط إدماج المرأة في التنمية من طرف الحكومة التي كانت هي واضعته، رغم التعبئة الاجتماعية التي لم يعرف لها نظير في المغرب سابقا، لكن هذه الإعاقة والحضور الثابت للحركات النسائية قادا نحو صيرورة مراجعة مدونة الأحوال الشخصية في كليتها.
واليوم ، يوجد المغرب في مفترق الطرق ، ومنذ وصول الحكومة التي سميت ” حكومة التناوب ” إلى السلطة بقيادة الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، واعتلاء العرش من قبل ملك ” شاب ” ملك الفقراء – حتى نستخدم التعبير الشائع – كان الشعب المغربي يأمل في إحداث تغييرات عميقة بخصوص الوضعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالبلاد ، لكنه يبدو أن هذا الأمل يستعصى أكثر فأكثر على التحقيق رغم الإنجازات التي لا يمكن التنازع بشأنها ، وهكذا فإن:
- الإصلاح الدستوري لم يتم إدراجه على جدول الأعمال إلى اليوم .
- كما لم يتم الوفاء بوعود إصلاح النظام القانوني والمؤسساتي لحقوق الإنسان .
- كما يظل إصلاح مدونة الأحوال الشخصية سجين نقاشات دينية .
- كما يشير قمع حركات الاحتجاج الاجتماعي والتقييد التعسفي للحريات بالعودة إلى الممارسات القمعية القديمة ( إدانة مجموعة من الشباب بوصفهم عبدة الشيطان، القمع الوحشي للحركات الاجتماعية ـ قمع المظاهرات المناهضة للحرب ) .
- إن وضعية الحريات العامة موسومة اليوم بالصعود القوي للمنطق الأمني ، كما تشهد تحريم الرأي أو التعبير أو النقاش المتعلق ” بالطابوهات المتميزة بالحساسية ” كالملكية والدين أو الوحدة الترابية .
- العودة من جديد للاختطافات والتعذيب والمساس بحرية تكوين الجمعيات ومتابعة الصحفيين .
- غياب استقلالية القضاء .
- عدم الاعتراف باللغة والحقوق الثقافية الأمازيغية على مستوى الدستور .
- إن صيرورة لامركزية الجماعات الترابية لم تنته لحد الآن إلى أي شيء ، في وقت تظل فيه مراقبة سلطة الوصاية الممارسة من قبل وزارة الداخلية جد ثقيلة ، و خاصة على الجماعات المحلية .
II تحولات :
إن التساؤلات في هذه الفترة تتعلق بدور المواطن في صيرورة إقامة الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان ، وبفعل حذر الأجيال الجديدة ، سواء اتجاه مؤسسات الدولة أو المنظمات السياسية ، فإن المجتمع المدني مدعو عبر تجلياته المنظمة والمتمثلة في الجمعيات ، لكونه مندرجا في إطار ديناميكية للصراع من أجل تحقيق الديمقراطية ، إلى التفكير في تشييد وعي جديد وممارسة عملية من أجل إنجاز المشروع الاجتماعي .
إن صيغ مشاركة الشباب في الأحياء والنوادي ، والضغط الذي تمارسه الجمعيات النسائية وجمعيات حقوق الإنسان على المنظمات السياسية ، وجمعيات الدفاع عن البيئة ، وحملات التربية على حقوق الإنسان ، تجعلنا نأمل في بروز ثقافة سياسة جديدة ، وعلاقة مغايرة بالدولة .
إننا نجدنا أمام صيغ جديدة للمشاركة ، أمام تحول في أنماط التمثيلية ، وأيضا أمام إعادة صياغة للعلاقات التضامنية ، إننا في حضرة علاقة مغايرة للمواطن بالسياسة:
1 – فمركزية حقوق الإنسان في النقاشات السياسية وتحرير الألسن ( الشهادات حول سنوات الرصاص ) تخرج قوى الظل من تحفظها كي تدافع عن نفسها،
والالتزام العميق لدى الحكومة والقصر بحماية وإنعاش حقوق الإنسان يقوي الشعور بأن هناك خطوات تقدم ثم إنجازها خلال العشرية المنصرمة بخصوص عدد معين من الملفات .
2 – إن الإطار الاجتماعي – الاقتصادي ، السياسي والمؤسساتي المغربي ، يمر حاليا بأحد المراحل الأكثر نشاطا وفاعلية في تاريخه ؛ فالتغيرات التي عرفتها التوجهات ، أو المعلن عن حدوثها ، تبين أنها ضرورية تحت التأثير الذي مارسته في نفس الآن تحولات المجتمع والاقتصاد ، وكذا التحديات الناجمة عن تطور البيئة الاقتصادية الدولية .
3 – إن إدراك إشكالية التنمية يندرج منذ اليوم في إطار منطق للشراكة والمسؤولية المشتركة .
4 – انسحاب الدولة باعتباره ” خيارا استراتيجيا لا رجعة فيه “.
5 – إنعاش القطاع الخاص المستهدف لتنمية قدراته في الحلول محل الدولة في المجال الاقتصادي ؛ و يتم ذلك في المغرب من خلال دينامبة مطالِبة لدى جيل جديد من المقاولين ، وإعادة تشكيل الفضاء العمومي ، إلى جانب وسم السلطة بسمة ” المقاولة ” . إن المقاول المغربي يريد أن يكون عاملا من عوامل التغيير الاجتماعي ويطور تسويقه الاجتماعي من أجل تحسين صورة تلوثت بفعل الأرباح الوقحة والفساد الضريبي ، والفاعلون الاقتصاديون يتنازعون منذ اليوم بالمغرب بخصوص رجحان كفة الفضاء العمومي في إطار منطق للحراك الاجتماعي وإعادة تشكيل الطبقة السائدة والمسيطرة .
6 – توسيع مشاركة المجتمع المدني عبر المنظمات غير الحكومية التي تعرف أكثر فأكثر من الحيوية.
III عوائق في وجه تطور الجمعيات :
تصطدم الحركات الاجتماعية الديمقراطية بعديد من العوائق والمقاومات بخصوص تشييد وبناء الديمقراطية ، نذكر من بينها هنا :
1) الحكم المركزي ، الذي وإن تلقى ضربات رهيبة ، فإن لديه قدرة كبرى على التجدد عن طريق ابتكار صيغ جديدة للتدخل تتراوح ما بين النوايا الاسترجاعية ، وإعادة تشكيل قواعد اجتماعية جديدة له ، والقمع العنيف .
2) الحركة الأصولية : ولا يتعلق الأمر هنا أبدا بمجرد حادث عرضي ؛ فالمرحلة مطبوعة بصعود الحركات الهوياتية الشعبوية و الأصولية من جميع الأصناف ، ولا يمكننا أن ندير ظهورنا لتصويت شهر شتنبر ؛ فرغم التحفظات التي يمكن أن نبديها بخصوص شفافيتها(الانتخابات) ونسبة المشاركة المحدودة فيها ، فقد صوت المغاربة في الغالب لليمين ، وذلك مايجب الاعتراف به ، وهذا النزوع لا يخص المغرب وحده . وفضلا عن ذلك ، فقد تم من خلال أحداث 16 مايو الإرهابية تجاوز حد آخر ؛ فقد جاءت الجرائم المرتكبة لكي تحمل إدانة لا مثيل لها للمشيرين
الإيديولوجيين بها ، ذلك لأنه وطوال سنوات خلت ، وفي غياب أي عقاب ، فإن الإشادات والتظاهرات العمومية ، الشرائط الصوتية وشرائط الفيديو ، والكراسات
الموزعة على مرأى و مسمع من الجميع ، حثت على الجريمة وعلى الردة واللعنة ومعاداة السامية ، وعلى الكراهية وعدم التسامح . وقد تبين تبعا لذلك أن مما هو مستعجل الإنكباب على تحديد وتعريف مشروع اجتماعي وسياسي جديد .
3) الأوليغارشية المالية الدولية التي تنشط بقوة متلفعة بخطاب الحداثة ، والتي كانت المستفيد الأول من الخوصصة ، لا تكتفي بربح المال ، لأنها تريد أيضا أن تربح صداقة ودعم الحركات الاجتماعية ، وهكذا فقد أطلقت إستراتيجية لاحتواء وتلعيب هذه الحركات كي تجعل منها قوة جديدة للتدبير الاجتماعي ووكلا ء جدد لليبرالية الجديدة ، ويشهد على ذلك تعدد أوراش البنك العالمي ل ” التداول والتنسيق مع المجتمع المدني ” ، كما أن الهجومات التي قامت بها السفارة الأمريكية من خلال الخلية المسماة خلية ” الديمقراطية” وكذا المنظمات العاملة مع الحكومة الأمريكية ، وتمويل هام للأنشطة الجمعوية ، هي أيضا علامات تشهد على إرادة إجهاض نشوء وبروز طريقة جديدة ومغايرة لممارسة السياسة ، وبذلك فإن النزعة الأصولية تتقوى في ظل الشروط المتسمة بتشبيه الحركات الديمقراطية و نعتها بكونها عملاء للإمبريالية الأمريكية التي “تقتل المسلمين” في فلسطين وأفغانستان والعراق .
4) الأحزاب السياسية التي تتشبث بالعالم القديم لكونها مقاطعة ومنتقدة من قبل القوى الاجتماعية الناشئة ، والتي تظل مع الأسف إما متقوقعة في الخطاطة التقليدية ، أو غير ممتلكة بعد لنظرة واضحة بخصوص الدور الذي عليها أن تلعبه في مجال التجديد السياسي . غير أن ذلك يعمق هشاشتها ويجعلها عرضة لمحاولات التلعيب والقولبة ، أليس مؤسفا أن نرى حزبا من الأحزاب الموقعة على وثيقة الاستقلال ، حزبا كان في قلب أحداث سنة 1952 ، وعلى رأس أول حكومة في المغرب المستقل ، وهو يسقط إلى الحضيض ويصارع اليوم من أجل الحصول على حقائب وزارية ؟ .. ولكن ، أليس من المؤسف أكثر من ذلك أن نرى القوى الديمقراطية غارقة في نزيف من الصراعات الداخلية والتمزقات حتى دون أن تكون الرهانات السياسية لهذه الصراعات على الأقل واضحة في أعين الرأي العام ؟ .. صراعات يبدو أنها تنهض من نزعات الهيمنة ورفض التعدد والاختلاف … .
5) بريق السلطة : إحدى أوجه الضعف الأساسية في البنيات الجمعوية أو السياسية تتمثل في كونها تبحث عن مشروعية السلطة أكثر مما تبحث عن مشروعية السكان المفروض أنها تدافع عنهم بالضبط ضد تجاوزات السلطة ، إن هذا الافتتان بالسلطة ( السلطة السياسية و سلطة المال ) هو جوهر هشاشة حركة الصراع من أجل الحقوق السياسية ، الاقتصادية والاجتماعية ، وهو يتهدد على المدى البعيد بإفراغ الحركة الجمعوية مما يمكن أن تضيفه كمساهمة في بناء الديمقراطية.
6) التفكير على المدى القصير، وما هو ضبابي في هوية ومهمة الحركة الجمعوية هو هذا التفكير على المدى القصير ، وهذا الضعف ناجم عن غياب مشروع اجتماعي شامل ومتماسك ؛ فالمحلي يأخذ الأولوية على الشمولية ، وبذلك يصبح الميدان ملائما لتطور ونمو الشعبوية : وهناك نوعان من الجمعيات مدعوان لتقوية ركائزهما في ظل هذه الشروط المتسمة بالضبابية في التسيير والخصاص الديمقراطي والفقر المستحكم :
- الجمعيات الإحسانية ، وذلك لأنها ” تشتري ” الولاء ، والمستفيدون منها يحسون بأنهم مدينون اتجاه المانحين ، وتاريخ الجنوب يطفح بأسئلة عن الزوايا التي استفادت من المانحين كي تلعب دور الضابط والمنظم الاجتماعي في مناطق نفوذها.
- الجمعيات التنموية : وذلك لأنه تتم مماثلتها في رؤوس السكان بالمانحين ، ولأنها لا تدمج التنمية الاقتصادية في إطار دينامية تنمية شاملة وتشاركية وقابلة للدوام وإنسانية في إطار كونية حقوق الإنسان التي لا تقبل التجزيء .
7) غياب الخبرة العملية : يقوم النشاط الجمعوي على العمل التطوعي ، وبفعل منطق عصي على الفهم ، لا يحس المتطوع ولا يشعر بأنه ملزم بتحقيق نتائج ولا تقديم الحساب عن المهام التي قبل بشكل إرادي القيام بها ، وغياب هذه الخبرة أو الحرفية بالإضافة إلى الهواية يفرمل بشكل كبير تطور الجمعيات ويخلق نوعا من التدبير المؤسس على شخصنة السلطة وغياب الشفافية في التدبير ، وتلك إحدى أكثر النقط العصية على الحل من أجل التقوية المؤسساتية للجمعيات ، فكيف يمكن تحويل العمل التطوعي إلى عمل متسم بالخبرة والحرفية دون إفراغه من طاقته النوعية والخاصة به ، والمتمثلة في الهبة ؟.. إن العمل التطوعي يظل أحد نقط القوة في الحركة الجمعوية وأحد السمات المميزة بالمقارنة مع المبادرات ذات الخصائص الربحية ، وأهم من ذلك فإن العمل التطوعي في مجتمع فاقد للبوصلة الهادية ، يعيد تجديد الديمقراطية ويعيد المبادرة إلى أيدي المواطنين .
8) التواصل الضعيف (أو المنعدم) سواء منه الداخلي أو الخارجي ؛ فالجمعيات المستفيدة من الدعم الخارجي وجدت ذاتها مكرهة بقوة الأشياء على أن يكون لها برنامج لنشاطاتها ، والجمعيات التي لديها بطاقة تعريفية أو حتى تقرير عن أنشطتها هي جمعيات ناذرة وقليلة العدد ، وعندما يوجد هذا التقرير ، فإنه لا يبدو أنه روعي عند وضعه أن يشكل أداة للتواصل ، وبذلك يجد انتقال المعلومة بداخل الجمعية وخارجها ذاته مغيبا تماما وغائبا .
9) التدبير المهيكل : التدبير في الغالب بدائي ، غير فعال ولا شفاف ، و تفسر هذه الوضعية بضعف الوسائل المتوفرة عموما، وبفعل أن الراعي – الزعيم للجمعية يقوم بالأساسي من أنشطة الجمعية ، وكذا بفعل أن المعارف في مجال التدبير ( وبالخصوص في مجال المحاسبة والمالية ) هي من الأشياء الناذرة الوجود لدى الأطر الجمعوية ، و الجمعيات التي تنخرط في الممارسات الدارجة في القطاع غير المهيكل هي جمعيات كثيرة العدد ؛ فلا احترام للقوانين الاجتماعية و لا تصريحات ضريبية عن المستخدمين الدائمين ، هؤلاء الذين يظلون طيلة مدة أدائهم لمهامهم تحت المسؤولية القانونية للمؤسسة ، وهذه الحقيقة الواقعة تؤكد الفساد الأخلاقي في الجمعيات وكذا القبول بعدم أولوية القاعدة القانونية .
10) روح الطائفة والعداوات المتحزبة مع نزوعها الهيمني ، وهذه الوضعية تعوق التشاور في مابين القطاعات ، ومساهمة كل الطاقات الكامنة في إنجاز أهداف مشتركة .
إن الإستراتيجية المواطنة لا يمكن تصورها بدون ديمقراطية داخلية ، بدون توفر الفعالية والشفافية .
IV بدائل :
تجد الحركة الجمعوية ذاتها اليوم في مواجهة ثلاثة استراتيجيات هي في نفس الآن متداخلة ومتناقضة.
1) إستراتيجية نيوليبرالية رئيسها الأعلى هو البنك العالمي وصندوق النقد الدولي والمنظمات المرتبطة يهما ، وهي تستهدف تشجيع الانعطاف نحو سوق مدعمة ماليا ، تمر عبر تقوية وتعميق تخلي الدولة عن التزاماتها ، وهذه الإستراتيجية تعلي من شأن آليات منطق تجاري يرتبط فيه استمرار وبقاء الخدمات الجمعوية بالثقافة التدبيرية ، وتصاحب هذه الإستراتيجية بنشاط إنساني وخطاب تخليقي ، وتعتبر محاربة الفقر مثالا نموذجيا لهذه الإستراتيجية ؛ وذلك لأنه انطلاقا من حد معين ، يصبح الفقر خطرا على التوازن الاجتماعي ، وكذلك الفساد ، غير أن هذه الإستراتيجية متمثلة في إطار روح الصدقة والإحسان ، فمن الأكيد أن عشرات الآلاف من عمليات الإفطار من شأنها أن تخفف من الإحساس بالجوع ، لكنها لا تحجب الأسباب الحقيقية والأساسية الكامنة وراء الفقر :
- مراكمة الثروات في أيدي أقلية ضئيلة ، وهو تراكم ملطخ في الغالب بالجرائم والاستغلال الوقح والفساد والابتزاز بالإكراه ( اختلاس المساعدات المقدمة من قبل برنامج الغذاء العالمي ، وقد تم تقديم العديد من أطرا لصندوق الوطني للقرض الفلاحي أمام العدالة ، فضيحة القرض العقاري والسياحي والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي … ) .
- الدوامة الجهنمية للديون ( والبنك العالمي وصندوق النقد الدولي يتلقيان من البلدان المدينة أكثر مما أقرضاهما ).
- الفساد ، الامتيازات غير القانونية والزبونية ، هي ما تشكل أساس تدبير الممتلكات العمومية التي تم تحويلها لإشباع الحاجات الخاصة ، والناس الأكثر فقرا وخصاصة هم الذين يتحملون النتائج والتأثيرات المفجعة الناجمة عن ذلك .
إن إستراتيجية المنظمات غير الحكومية هي مطبوعة باجتماع الضدين ، فإلى أي حد يمكن للجمعيات أن تفلت من هذه الإستراتيجية المستهدفة لإفراغ الصراع من أجل الحقوق الاقتصادية من بعدها المواطن ، وتحويل الجمعيات إلى وكلاء جدد للنيوليبرالية ؟ …
2) إستراتيجية اجتماعية للدولة : بعد تحلل الدولة من التزاماتها ، كانت الجمعيات في مواجهة منطق إجراءات كانت نتائجه في الغالب تتمثل في تحويلها إلى أدوات إن لم يكن تهميشها؛ فقد تم اعتبارها بشكل زائد عوامل مكملة ومساعدة للسلطات العمومية أكثر من اعتبارها شركاء .
3) إستراتيجية تضامنية ومواطنة تستهدف نشوء وبروز سلطة مضادة حقيقية ، فما العمل بالفعل المواطن في غناه واحترام تعدده من أجل استعادة تعبير الإعلان الكوني لحقوق الإنسان ” الحق في مقاومة القمع ” ؟ .. إن الخطابات الالتقدمية في
الإستراتيجية الأولى والثانية والمقواة بفعل الخوف المستبطن طوال 40 سنة من القمع وبفعل هم التعبئة الاجتماعية لدى النخبة الذي لا يمكن تصوره إلا تحت الجناح الحامي للسلطة الفاتنة ، جعل من الصعوبة بمكان دعم وتقوية استراتيجة لإعادة بناء المواطنة ، إن المطالبة بالحقوق تنبني في إطار ممارسة سلطة مضادة ، غير أن هذه الإستراتيجية سيصعب كثيرا دعمها وتقويتها ما دام أن الحركة الجمعوية تعرف مظاهر ضعف داخلية على مستوى التدبير الجمعوي .
V تحديات :
إن تمييع الأحزاب يجعل من الراهنية بمكان مسألة بناء فضاء سياسي جديد مساوق لخطوات التقدم لدى الحركة المواطنة ، وبناء صيغ جديدة للعلاقة في مابين الحركة الاجتماعية والشأن السياسي ، والديناميات الاجتماعية تلعب دورا هاما في بناء هذا الفضاء . أكيد أنها لم تستطيع أن تجعل من قضية أديب حركة مماثلة لقضية دريفوس ، لكن النسيج الجمعوي نجح في المنازلة :
1) في رفعه القضية النسائية إلى مستوى النقاش الوطني ، وفي هذا الإطار لا زالت هناك طريقة طويلة لا بد من قطعها بالنظر للاعتداءات وأشكال العنف التي تعتبر النساء ضحايا لها ، وبالنظر إلى تجاهل حقوقهن في المساواة والإنصاف .
2) في جعل ملفات الخروقات الجسيمة لحقوق الإنسان رهانا سياسيا يعيد النظر في أسس الدولة الاستبدادية والقامعة.
3) في تكسير حاجز الخوف والتحريم بخصوص موضوع الفساد . وحتى على هذا المستوى ، فإن التهديد بالتمييع يظل مطروحا بقوة، والتحدي يتمثل في أن نجعل من مناهضة الفساد لا فقط مسألة تربوية وتحسيسية للمواطنين ، وإنما معركة حقيقية ضد الإفلات من العقاب .
4) في إنجاز مشاريع رائعة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والصحية … لكن السؤال يظل مطروحا بخصوص كيف السبيل إلى تحويل هذه النشاطات إلى قوة لاستعادة السلطة من طرف السكان ، وتحاشي الوقوف موقف الجمعيات الإحسانية التي تشتري ” الولاء ” وحيث يحس المستفيدون بأن عليهم دينا اتجاه المانحين ؟ .. وتلك تقنية وظفتها الحركات الأصولية لصالحها ، كما تمت معاينة ذلك إبان الانتخابات الأخيرة . وكيف يمكن أخيرا تحاشي أن يصبح المرء وكيلا تنفيذيا للإستراتيجية النيوليبرالية بزعامة كل من البنك العالمي وصندوق النقد الدولي والمنظمات المرتبطة يهما ، والتي تستهدف تشجيع الانعطاف نحو سوق مدعمة ماليا تعلي من شأن آليات منطق تجاري ، هنا حيث دوام واستمرار الخدمات الجمعوية مرتبط بثقافة تدبيرية .
5) في إطلاق دينامية لحماية المال العام بعد فضائح اختلاس الأموال العمومية .
6) في إطلاق حركة لتجميع واحتجاج جمعيات الدفاع عن البيئة بمناسبة انعقاد الملتقى الدولي حول التغيرات المناخية.
كل هذه الحركات التي لا داعي لذكرها تساهم في ابتكار قيم التحرير وتحديد برامج بديلة ستمكن من إعادة بناء وتشكيل الشأن السياسي .
ومع ذلك ، فإن هناك أسئلة مشروعة تظل مطروحة :
7) هل ستستطيع الحركة الاجتماعية إنجاح محاولاتها في المساهمة في تشييد دولة القانون المحترمة لحقوق وواجبات الأفراد والجماعات ؟ ، إن تشظي الحقل السياسي الديمقراطي ووضعية الحركة النقابية بالمغرب لا تدعوان للتفاؤل بهذا الخصوص .
8) كيف يمكن التفكير في النقاش الإستراتيجي وصيغ التنظيم على المستوى العالمي ؟ دون بناء ذلك بطبيعة الحال على أساس فقدان الذاكرة .
9) أليس من المستعجل فتح نقاش حول العلاقة في ما بين الأحزاب السياسية والحركات الاجتماعية في أفق تشكيل جبهة للدفاع عن القيم الديمقراطية ؟ .
10) ما هو السلوك الذي يجب تبنيه اتجاه الاستشارات الانتحابية ؟ – هل يتوجب علينا أن نستمر في تبني موقف ” الحياد النسبي ” ؟ .
11) كيف يمكننا أن نبني في كنف الحركات الجمعوية أنماطا من الاشتغال الديمقراطي وأنماطا لضبط وتنظيم رهانات السلطة تكون متقدمة على الأحزاب ؟ – إن ما يمكننا أن نستمد منه مشروعيتنا هو هذه الديمقراطية العاملة من اجل علم تعوني لا تنافسي .
12) كيف يمكن تجاوز تفجر الحركة الجمعوية حتى نضمن الرؤية الواضحة والحقيقية للمشروع السياسي ، مع الحفاظ في نفس الآن على هويتنا واستقلالنا ؟ .
ومع ذلك ، فلا يتعلق الأمر أيضا وأبدا بأن تقف أحزاب اليسار في موقف الممثلين الجدد للحركات الاجتماعية والناطق الطبيعي باسمها ، إذ سيكون من المضر أن تحاول أحزاب اليسار الاستحواذ و فرض وصايتها على الحركات الاجتماعية من خلال محاولة إيجاد مخرج تصريفي لمبادئها المحركة من أجل إعادة تشكيل اليسار ، سيكون ذلك خطأ وحسابا مغلوطا بالنسبة لهؤلاء وأولئك . وعلى العكس من ذلك ، فإن من مسؤوليات القوى السياسية أن تستخلص النتائج من توجهاتها لتقديم اقتراحات جديدة للمواطنين والمواطنات الذين هم نحن ، وعلى الحركات الاجتماعية أن تتحرك وأن تفكر وأن تدعو بداخل المجتمع إلى مناقشة اقتراحاتها انطلاقا من الميادين التي تخوض فيها صراعاتها . إن على فضاءات النقاش ، دون تحويلها على ذرائع ، ودون نزقية ولا بغضاء ، أن تنبني على أساس الاقتناع القوي بأن وجود سلطة مضادة في المجتمع ليس تهديدا أبدا ، بل هو على العكس من ذلك ضرورة مطلقة للديمقراطية .
ويمكن إيجاز هذه المحاور بالطريقة التالية :
7 ) محاور العمل :
7-1 ) الشأن السياسي :
لقد تبين أن المزج بين التفكير و التنظيم الجماعي في علاقة مع الحركية الاجتماعية ضرورة من أجل إعادة التفكير في نشاطنا الاجتماعي ، كما أن وضع الحركة الاجتماعية في الأفق العالمي أصبح شيئا مستعجلا بخصوص تنمية التآزر وأشكال التضامن العالمية في سياق موسوم بتسارع صيرورة العسكرة والعولمة النيوليبرالية .
7-2 ) التحالف والتنظيم الشبكي :
إن إحدى العوائق التي تحول دون إشعاع النشاط الجمعوي وقدرته على الانتصاب كحركة مولدة للتغيرات تتمثل في : انفتاح ضعيف للفاعلين الجمعويين على بعضهم البعض ، التواصل الداخلي والخارجي الضعيف ، وكذا الغياب شبه الكلي للمشروع الاجتماعي المتماسك والشامل المشترك . وبالفعل ، فبدون نظرة شمولية ومتفق حولها بين مختلف الفاعلين ، فإن جهود هذا الطرف أوذاك تظل محدودة .
7-3 ) الحوار في مابين مختلف الفاعلين الاجتماعيين :
إن على الحركة الجمعوية في هذه الفترة أن تقوم بعملية استبطان لمساراتها وأن تفكر في علاقتها مع الفاعلين الاجتماعيين الآخرين ، وذلك بغرض الرسم المشترك للخطوط الكبرى لآفاق العمل لمشترك من اجل الدفاع عن القيم الديمقراطية ، وذلك في إطار احترام الاستقلالية و حقول الاشتغال الخاصة بكل طرف .
7-4 ) لقد أبان لتفكير في النشاطات التكوينية المنجزة من قبل الفاعلين الاجتماعيين والحركات الجمعوية والنقابات والأحزاب السياسية بالمغرب ضرورة تبادل النشاطات التكوينية في أفق هيكلتها وجعلها متخصصة وضمان أولويتها .
7-5 ) التمويل :
المساهمة في تيسير الوصول إلى التمويل في إطار الاستقلالية واحترام الاختيارات الإستراتيجية لدى الجمعيات ، وسيتعلق الأمر على هذا المستوى بالعمل على ضمان أولوية تمويل الفاعلين في المجتمع المدني المغربي ، وخاصة صغار الجمعيات العاملة على مقربة من المواطنين ، وكذا ضمان مساهمتها باعتبارها مخاطبين وشركاء بمعنى الكلمة في اختيار نماذج التنمية المفضلة
7-6 ) الشباب :
اقتناعا بأهمية تبادل التجارب وتأثيراتها التكوينية في هذه المرحلة التي تمر منها الإنسانية ، وانطلاقا من روح تصريح بوزنيقة ، تبين أن من الضروري رسملة التجارب التجديدية للملتقى الاجتماعي المغربي ، عبر تفعيل بدائل اجتماعية على المستويين الجهوي والمحلي .
7- 7 ) خلق فضاءات موضوعاتية وجهوية .
أمام تعدد الفاعلين وتعدد المفاهيم المرتبطة بالتنمية ، يتم اليوم تبني مفهوم ” التنمية الديمقراطية التشاركية ” باعتباره مفهوما ونظرة للعالم من طرف القليل من الفاعلين ، كما انه مفهوم متلائم مع شريحة قليلة العدد من الجمعيات ، وبالفعل ، فالجهود في الغالب مشتتة ، والانعكاسات لا تحقق دائما التأثير المرجو .
وانطلاقا من هذه المقاربة ، فإنه من الضروري تقوية فضاءات التنمية الديمقراطية والمواطنة والتعبئة بغرض التأثير والتوجيه وهيكلة الفعل الاجتماعي بالمغرب ، وكذا العمل على تقارب الجهود بالطريقة التي تجعلها تترجم إلى تأثيرات حقيقية و ديناميات للتغيير
وثيقة النضال الاجتماعي والنقابي: الورقة الثقافية
الـــورقـــة الــثــقــافـيــة
تقديم :
تهدف الثقافة التي نسعى إلى نشرها وإشاعتها إلى أن تلعب دورا أساسيا في عملية بناء مجتمع حداثي ديمقراطي متسامح ، ينبذ الإقصاء بكافة أشكاله ، والتعصب بمختلف تلاوينه .
مجتمع تتعايش وتتفاعل فيه كل أبعاد الهوية الثقافية المغربية بمختلف تعبيراتها في إطار التضامن والاحترام المتبادل، ومن سمات ذلك احترام القيم الإنسانية وتشجيع الإبداع والحس الجمالي وإشاعة العقلانية والتنوير وتنمية الروح النقدية مع تأسيس الحق في الاختلاف ، على اعتبار أن الثقافة منطلق أساسي في تنمية التسامح الديني ومحاربة التعصب والطائفية بكافة أشكالها لأنها – الثقافة – تشجع وتدعو إلى المشاركة الإيجابية في الشؤون العامة ومحاربة النزعات التيئيسية والقيم الانتهازية والوصولية.
ولن تستطيع الثقافة القيام / تحقيق هذه الأهداف ، أوبعضها إلا إذا احتلت المكانة التي تستحقها واعتمدها المجتمع الأساس الذي لايمكن تجاوزه ، أو غض الطرف عنه في كل تخطيط أوبناء ، واحتل المثقف أيضا موقعه الطبيعي ، ومن هذا المنطلق لابد من مراجعة مرتكزات الثقافة ، وإعادة بنائها وصياغة تصوراتها للعالم ، ومناهجها في المعرفة ، وأنماط السلوك ، وأبعادها الإنسانية ، ولغتها في التعبير وهذه تغيرات جوهرية في بنية الفكر ولغة تعبيره، وتجد مصداقيتها في التجارب الوطنية ، وفي التفاعل مع الجماهير المتحركة داخل النسيج الثقافي .
1 – المرجعية الثقافية لليسار الاشتراكي الموحد :
شكلت الواجهة الثقافية لليسار أو ما كان يسمى بالنضال الثقافي الفكري ، إحدى الثوابت من المنظور التعبوي التأطيري لليسار المغربي ، بمختلف فصائله ومكوناته ، بل يمكن القول أن المسألة الثقافية كانت بمثابة المشرع لوجوده والعنصر الأساسي لتميزه وتمايزه داخل الحقل السياسي المغربي خلال فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي .
وبالعودة إلى أجواء التشرد الأولى لفصائل اليسار الجذري المسمى بالسبعيني يتم التأكد من هذا المعطى إذ كان سؤال: ما العمل ؟ والذي طرح بعد انتفاضة الجماهير الشعبية في مارس 1965 يحمل / يعبر عن مساحة كبيرة لما هو ثقافي / إيديولوجي نتيجة القراءة النقدية التي قام بها اليساريون الثوريون المغاربة الأوائل ، تلك القراءة التي حاولت تقديم الإجابة الواضحة أولا على الأسباب الجوهرية التي أدت إلى فشل الحركة الجماهيرية في حسم الصراع السياسي الذي احتدم بعد الاستقلال السياسي وبالمضامين الذي خاضته به ، فاستبعد اليساريون الشعار السياسي كقطب أو على الأقل لم يكن له الدور الحاسم في مآل الأمور ، كما استبعدوا المعطى التنظيمي الذي هو نتيجة لعامل آخر ، ليتشبثوا بالمعطى الفكري النظري ، إذ صاغوا الإجابة كما يلي :
حركة جماهيرية وبأعلى أشكال النضال لكن بخلفية فكرية / إيديولوجية متسمة بتأثير كبير للفكر السلفي الذي بلورته الحركة الوطنية ، وبهذه الوضعية المفارقة اختلت المطالب السياسية وارتبكت الحركية التنظيمية الغموض الذي أنتج ما سماه المهدي بنبركة بأنصاف الحلول ، فجاء جواب اليساريين واضحا متمثلا في ضرورة تغيير الأفق الفكري النظري للتمكن من تحديث الشعار والتنظيم ، التغيير المؤسس على التبني التام / المطلق للفكر الاشتراكي بالتأويل الماركسي – الليليني بشكل رئيسي إضافة للقراءة الماوية ، وهو الانحياز / التبني الذي وجه نظرة اليسار لموقع المسألة الثقافية عامة وأشكال التعبير الرمزي خاصة ، ويتضح ذلك من خلال منطلقين :
- الأول : متمثل قي مفهوم الالتزام الذي حمل مضامين الارتباط بالطبقة العاملة وحلفاؤها ، من فلاحين ومثقفين ثوريين ، فعلى العمل / الإنتاج الثقافي أن يحمل ويعبر ويعكس هموم هذه الطبقة ومن تمجيد لدورها الطليعي إلى تمكينها فكريا من ثقافة البروليتارية .
- الثاني : متمثل في مفهوم الانعكاس ، أي أن على العمل الثقافي والفكري بمختلف أشكاله التعبيرية والإبداعية، أن يعكس المضمون الطبقي ويكون خدوما للشعار والمطلب السياسي ويؤدي مفهوم الانعكاس بمعنى من المعاني وظيفة الصراع الإيديولوجي .
وانطلاقا من ذلك ، قسم اليساريون الثقافة إلى نوعين : ثقافة ملتزمة هادفة تقدمية وأخرى محافظة ورجعية ، يؤدي النوع الأول وظيفة التنوير والتشوير ويؤدي النوع الثاني وظيفة التنويم والتخدير والخداع الطبقي وهو ما عبر عنه بالاستلاب الثقافي .
وعلى الرغم من النقد الذي وجه لمفهوم الانعكاس الآلي للواقع على الفكر إلا أن تراث اليسار المغربي يؤكد أن جيلا كاملا من شبيبة المغرب انخرطت في هذا التيار وأنتجت الكثير من المؤسسات الإعلامية والجمعوية والثقافية، وبجرد سريع لمختلف المنابر والمؤسسات خلال تلك الفترة تتأكد هذه الخلاصة التي أثبتت سنوات الثما نينيات المكانة المتقدمة للمثقفين والمبدعين الذين تكونوا وانخرطوا في النهضة الفكرية المعروفة خلال السبعينيات ، إلا أن معطيين اثنين سيؤثران جذريا على التصور والفعل الثقافيين لليسار ، وهما :
- إنحصار إشعاع الفكر الاشتراكي باحتلال فلسفة الشكل مكانة متقدمة في الإنتاج والترويج الثقافيين كنتيجة مباشرة للأنساق الفكرية بنيوية كانت أو تفكيكية أو سيميولوجية ، ما أدى إلى قلب المعادلة : فمن تقديم المضمون على الشكل أصبح الأخير مقدما على المضمون .
- التحولات المصاحبة لما بعد انهيار جدار برلين بما يرمز إليه ، وبوصول الغرب إلى ما بعد الحداثة بعد انتقاد معركة الحداثة كقطيعة مع تاريخه .
الوضع السابق ، أدى مغربيا وبالإضافة طبعا إلى خطة القوى المحافظة الرامية إلى عزل المثقفين وتمييع فضاءات الثقافة ، أدى ذلك إلى تراجع كبير لثقافة التحديث والعقلنة ، أفقد ثقافة الدمقرطة والتغيير الكثير من المواقع و الإسهامات ، فما هي الرؤية التي يجدد اليسار الاشتراكي الموحد تقديمها؟
2 – المسئوليات الراهنة للثقافة الوطنية الديمقراطية:
إذا كانت الثقافة في بعض أبعادها تعبير عن المرحلة التاريخية التي يمر منها الوطن ، وتسجيل لتاريخه ، وتعبير عن وجوده ، فإن من أكبر المسئوليات الملقاة على عاتقه في الوضع الراهن هي توفير الأمن الثقافي الذي لا يقل أهمية عن الأمن الغذائي أو الأمن العسكري ، ويمكن رصد مهام الثقافة الوطني في:
أ ) التمثل العميق لما وصلت إليه البشرية من ثورة العولمة والطرق السيارة للمعرفة ، التمثل الذي يلزم الوطن المغربي بالاندراج في العصر المتسم بتلك المواصفات ، و يلزمنا كيسار بالحسم في مسألة حاسمة ودقيقة هي: ما الدور الذي تؤديه الثقافة والمعرفة في مجتمع مازال في بحث حثيث على أنجع السبل لاستنهاض طاقاتهم الفاعلة للتقدم و الانتقال من هامش العصر إلى مركزه وقلبه ، فلا خيار إذن سوى خيار الثقافة الحداثية والعقلانية ، وبهذا تكون الثقافة جد حاسمة في عملية التغيير ، مادامت الثقافة بمختلف قيمها الفضاء الذي فيه ومن خلاله نمارس / تناضل سياسيا .
ب ) التمسك المطلق بثقافة التنوير بكل المضامين المناهضة والمحاربة لكل ما هو عتيق ومتخلف ، وبما هي نهج يكون المواطن غايته باعتباره طاقة مبدعة وخلاقة ، واعتبار ذلك أساس المواطنة الحق بكل المضامين المؤكدة للحرية في الفكر والسلوك ، وبما هي القيمة الأساس لبناء الوطن ، في تناقض تام مع كل ما يرتبط بمنطق المريد المؤثثة لثقافة الزوايا والعائلة .
ج ) نشر الثقافة الحداثية بكل المضامين الداعية إلى التحرر القيمي للمواطن في علاقته مع مجتمعه ، مع مؤسسات دولته ، ومع متغيرات عصره ، باعتبار ذلك المدخل الحاسم لثقافة الاختلاف الداعية والمؤسسة للحوار وتقبل الآخر والقبول بسيادة الفكر المغاير ، وضد كل ما هو أحادي شمولي ، إن التوتاليتارية هي الترجمة الأمنية لسيادة الفكر الوحيد لذا فالمطلوب تأسيس الاختلاف وليس ممارسته ، ولأن التأسيس هنا هي الترجمة المطابقة لثقافة التنافس والتباري الحر بعيدا عن أي إقصاء ، والتحفيز الضروري على ثقافة الإنتاج ، والعمل بمضامين مناقضة لثقافة وقيم الريع المدمر لثقافة المجهود والمثابرة والالتزام .
إن الرؤية وبالمواصفات أعلاه تفرض على يساريي اليسار الاشتراكي الموحد الانطلاق المبدئي والواضح من طبيعة الشخصية الوطنية المغربية للتمكن من الوصول إلى التفاعل الإيجابي والبناء لخصوصيتنا المغربية في علاقتها بالقيم الكونية ، للوصول أيضا إلى هدف ثقافة مغربية عالمية وليس ثقافة مغربية معولمة ، لذا فالمسئولية التاريخية تحتم:
- الحفاظ على تراثنا القديم وذلك عن طريق جمعه وإحياءه وتنقيته وتطوير كل إيجابياته.
- تحصين التراث العربي المغربي من الأخطار المحدقة به والتي تهدده وذلك عن طريق العناية به دراسة وتحقيقا و جمعا ونقدا .
- الاستيعاب العقلاني لتراث الغرب ووضعه ضمن حدوده الطبيعية لتمكين الثقافة المغربية من قوة الإسهام والحيلولة من خطر الاستلاب والتغريب .
- تحصين التراث الأمازيغي المغربي وتمكينه من كل وسائل الاستمرار وإزالة العوائق التي تقف في طريق استيعاب المواطن المغربي لماضيه التي تشكل الأمازيغية لغة وثقافة عنصرا ويعد حاسما في تشكل هويته.
إن العناصر الموجهة السالفة تشكل في تكاملها المضمون الأساسي للثقافة الوطنية الديمقراطية التي يناضل الحزب لترسيخها ، تكامل منطلق من الوعي سيما في المغرب الذي شكلت فيه الثقافة الأمازيغية عنصر تفاعل مع الثقافة العربية ضمن فضاء إفريقي واندراج دائم في كل ما هو كوني ، وهو الرصيد الحضاري يوجه رؤية الحزب الحداثية لتحقيق المطالب التالية :
3 – المطالب الثقافية للحزب على المدى القريب :
1 ) الرفع من الاعتماد المخصص للثقافة في الميزانية العامة للدولة لتمكين العاملين من وسائل الإنتاج .
2 ) تشجيع البعد الثقافي في الجماعات المحلية والإقليمية سواء على مستوى دعم الأعمال الثقافية أو على مستوى التنشيط والتربية على الفن والإبداع .
3 ) تخصيص مساحات أكبر من البث التلفزي والإذاعي للإنتاج الثقافي .
4 ) سن سياسة تجهيزية حقيقية للبنية التحتية للممارسة الثقافية و في مقدمة ذلك تشييد المركبات والقاعات الثقافية.
5 ) تمكين الثقافة الأمازيغية من وسائل الوصول إلى المواطن وذلك بتدريسها ونشر لغتها وتمكين حرفها تيفيناغ من الانتشار إلى جانب الخط العربي ضمانا لقوة تعددية الهوية المغربية .
6 ) إيجاد إطار قانوني للعاملين في حق الثقافة لصيانة وضعهم الاعتباري اجتماعيا وماديا .
7 ) إيلاء الأهمية للمناطق المقصية مثل هوامش المدن والعالم القروي والسجون والمستشفيات في العمل التثقيفي والتوعوي .
8 ) دعم الكتاب المغربي بكل لغاته وتعبيراته ضمانا لدمقرطة الإنتاج والتوزيع .
9 ) تدعيم مراكز الشباب بالتجهيزات والأطر وتعميمها على كل المناطق .
10 ) إعطاء اهتمام لولوج مجتمع المعلوميات عن طريق تعميم الاتصالات لتشمل كل المناطق وتهيئ الأجيال الصاعدة منذ الصغر للاندراج في عصر المعلوميات .
11 ) تشجيع المسرح والانتقال به من الهواية إلى الاحتراف والاهتمام بالعاملين في هذا الحقل عن طريق الدعم والتأطير .
12 ) دعم الكتابة الموجهة للأطفال .
13 ) الاهتمام بالآثار الثقافية بمختلف مكوناتها : عمران- مدونات- موسيقى- …الخ وحمايته من خطر الاندثار شأن بعض المواقع الأثرية المنتشرة على طول الخريطة الوطنية .
14 ) بلورة سياسة تعليمية ناشرة لثقافة تقدمية وحداثية وفي قلبها ثقافة المساواة بين المواطنين والمواطنات .
إن اليسار الاشتراكي الموحد يلتزم بالدفاع عن الرؤية والمطالب أعلاه من خلال المؤسسات المنتخبة برلمانا أو جماعات محلية التي يتواجد داخلها ، وكذا من خلال إعلامه ، ومن خلال الإطارات التالية :
1 نسيج المجتمع المدني باعتباره فضاءات منظمة للمجتمع الأكثر قدرة على اختزال زمن انتشار القيم .
2 إتحاد كتاب المغرب باعتباره إطارا جامعا للكتاب والمثقفين المغاربة وكذا المبدعين المغاربة .
3 حقل التربية والتعليم باعتباره المجال المنتج والمرسخ والداعي إلى القيم الرمزية ، خصوصا فضاءات الجامعية .
4 من خلال المؤسسات الإعلامية والفكرية ، لذا فالمطلوب من جانب الحزب تأسيس مركز للأبحاث والدراسات.
إن الواجهة الثقافية من أهم الجبهات للتقدم على درب نقل الوطن المغربي إلى الدمقرطة والحداثة وهي التي تمكن من الانتقال من الهامش إلى مركز الحدث .

ليست هناك تعليقات: